السبت، 17 أغسطس 2013

شَـطـحَـة







شَـطـحَـة

قبيل الغروب بقليل ، كانت الشمس حمراء أرجوانية ، وكان الطقس مائلا
للبرودة قليلا  و غيومُ السمـاء تتسابق في سيرها نحو الشرق ، تغطـّي
السماءَ مرة ً ثم لا تلبث أن تتركَ للشمس فرصة ً أو اثنتين لترسل ضياءها
نحو بيوت الضيعة ِ الوادعة . أدفأ نفـْسه بمعطف ٍ صوفيّ ٍ  وجلس في
الشّـُـرفة المطلـَّة على التلال الغربية المكسوَّة بالخضرة الداكنة  و بعض
البيوت البيضاء المتفرّقة التي لاحت كنجمات ٍ في ليل سماء ٍ صافية .. كانت
سقوفها القرميدية  تبدوكحُمرة ِشفاه ٍ تزينُ ثغور البيوت و كانت المدافىء مثل
الغلايين المهمومة   تنفث دخانها ليختلط بالغيوم المنخفضة ..

الجوّ ُ الجميل و المنظـَرُ الخلاب يتطلـّب من المراقب أن يذهب فيما وراء
حقيقة الأشياء في شطـحة ٍٍ أو حلم يقظـة ٍ تسرحُ به روحـُه نحو واقع ٍ جديد
يصنعه لنفسه . ولكنه في الحقيقة  ضربٌ من الخيال والتصـوّ ُر الذي يحتاجه
الإنسان بين الحين و الحين كنوع من كـَسر الروتين أو كبحث ٍ عن غاية ٍ
لا تطالـُها يدُه   .

و تمرّ الغيمات.. الغيمة تلو الغيمة ، فنبعُ الغيم هذا لاينضُب . و تبدأ الشمسُ
بالإقتراب من الأفول وراء التلال .. إنها نهاية نهار ٍ لن يعود أبدا ،  و بداية
ليل ٍ لا يبقى ، بفضل اللـه ، سرمدا .. و يمُرّ في الأفق سربٌ من الطيور سيختارُ
له بعد قليل مبيتـًا آمنـًا بعد شقاء يوم ٍكامل ٍ في البحث عن الرزق .. ثم تبدأ
حول المكان أغاني البلابل التي تودّع النهـار في سيمفونية لم يعلم بتحليلها ..
هل كانت ألحانها تعني الفرح أم الرثاء .. إنه المساء الذي لا يعرف معناه إلا
قلة ٌ من البشر ..

شعرَ بأنَّ ذلك الجو الخيالي يحتاج إلى فنجان ٍ من القهوة و جليس ٍ يتمتع
بنفس النظرة إلى الأمور ..نظر حوله فوجد أن الشرفة تتسـع لخمسة أشخاص
و لكنه لم يجد واحدًا من هؤلاء يشاركه الحديث ، فراح يكلم الغيومَ المسافرة
نحو الشرق .. يناجيها بصوت ٍ مسموع و عيناه تلاحقها و هي تصنع
أشكالا غريبة .. كانت الغيوم تظهر بشكل موكب عرس أحيانا.. ثم تعود لتتشكل
كجنازة يمشي خلفها المئات ، ثم تتداخل لتصبح على شكل حديقة أو حصان ٍ
أو طفل ٍ يحمل حقيبته المدرسية ! قال :
أيتها الغيوم التائهة في هذا الكون الفسيح ، من أين أتيتِ ؟ و إلى أين أنتِ
ذاهبة ؟ أليس البكاء من صفاتك ؟ ولكني أتساءل : هل تبكين نفسَـك ِ عادة ً ؟
لأنك مسرعة ٌ نحو التلاشي ..أم تبكين ما ترينه فوق الأرض من أحزان الناس ؟
غابت الشمس ..و تحوّل لون الغيوم إلى السـواد و بدأ الدمع ينهمر من الغيوم ،
فتابع قائلا : هل سمعت ِ مناجاتي أيتها الغيوم ؟ الحمد لله ! لقد وجدتُ جليسًا
سأشرب ُ معه فنجان قهوتي !