د.فـايز ابو الـكا س
قلتُ و أقول ثانية إن الحياة محطة و الناس فيها ، بين مودّ ِع ٍ و مستقبـِل ،يفرحون للقادم و يحزنون لأجل المغادر . و في محطة أعمارنا لهذا اليوم شيخٌ استضافنا لاثني عشر شهرا دون أن نملّ حديثه أو نسأم صحبته ،
نودّعه اليوم وداعًا لا لقاء بعده ..عزاؤنا بفراقه استقبال شابّ ٍ كنا و لا زلنا ننتظر قدومه و نفرح بهدايا جعبته ومن ثم سماع أخباره و ما سيعدنا به
أثناء إقامته . عام عجوز ينظر إلينا بوجهه الحزين و جبينه المتجعد و عام ٌشابّ يهرول نحونا مبتسما و غرّته تلوح على جبينه الناصع .
***********
و انتهت أوراق التقويم ! فلكل شيء نهاية .. مضى عام و انسلخت أيامه من كنز عمرنا المحدود ، فاز فيها من فاز وعمل صالحا لنفسه و لغيره ، و خاب و ندم عليها من ظلم نفسـه وحاد عن استقامة الصـراط ..
***********
أعمار الناس زهراتٌ عُمْرهـا يومٌ أو بعض يوم .. تتفتح و تـُزهر و تبثّ شذاها فيفرَحُ لألوانها كل من حولها .. يُعطـّرُهم شذاها و يُبهجهم تمايُلها ، ثم لا تلبث أن تغمض هذه الزهرات عيونها الجميلة استسلاما لما قدّر
الله لها من ثوان ٍ تعيشها موصية ً أخَواتها باتباع نهجها بمنح الآخرين حياتها بأمانة و إخلاص .
**********
ما أصعب أن يفارق الإنسانُ ظاهرة ً أحبّها و اعتاد عليها : ضيفا عزيزا ،ربيعًا جميلا ، إنسانا مخلصًا ، مكانـًا مُريحًا أو زمانًا أمتعه بالهناء والحُبور!
و ها هو العام الحالي يَلقـَى ربَّه الذي له مآلُ كلّ ِ من دبّ على الأرض أو إليها انتسب .. نودّعك أيها العام الراحل ! لقد وهبنا الله فيك كل الخير والسعادة و لكنّ الكثير منـّا أبَوْا إلا أن يجحدوا هباتـِه ، فقتل الأخ أخاه و نهَبَ الجارُ جاره و سحقَ القويّ منا الضعيف وظلـَم و تسلـّط كل من نسي الله ، وغفل عن كونه راحلا يومًا .. كما رحل هذا العام .
**********
أيها الإنسان الذي أكرمه اللهُ بالعقل و ضرب له المثل الأعلى بالمحبةو الرحمة ، أخاطبُ فيك إنسانيـّـتك و فطرتك التي فطرك الله عليها أن تعي معنى وجودك على الأرض و حكمة الله في خـَلقـِك ، فتسقي في ذاتك عنصرالخير و تهجرُ فيها شيطان الشر و ألا تجعل الطاغوتَ لك في مسيرتك وليـّا .
**********
عامٌ مضى و يليه غدًا عام جديد ! و هكذا تتوالى الأعوام حتى يرث الله الأرض و من عليها . قل معي أيها الإنسان الكريم :
أيها العام الجديد أعـِدُكَ - إن كان في العمر بقية - ألا أظلم أخـًا لي في الإنسانية وألا أخذله أو أحقره ..! سأدعو عبْر أيامك لكل جريح بالشفاء و لكل مُبتلى بالصبر على البلاء ، و لكل ظالم لنفسه و لغيره بالهداية ، فلن يدوم للظالم يوم ٌ إذ ليس للظلم بقاء !. أعدُكَ أن أحفظ عهد الله فيك فأجعل من أيامك لحظات فرح أهديها للناس ..أ ُعطي الفقير و أرحم الصغير و أوقـّر الكبير.. أجعل من ليلي لله ذكرا ومن نهاري عرفانا و شكرا .
أهلا بالعام الجديد ! جعله الله عام رفاهةٍ للإنسانية ، و عام سعادة لكل الذين يعيشون فوق هذا الثرى الطاهر و لمن يعيشون في الغربة و قلوبهم معلقة هنا .