الجمعة، 8 مارس 2013

كـواكِـب (تـتمـة)






كـواكِـب (تـتمـة)
د. فـايـز ا بـو ا لـكا س

























سأكمل اليوم قصة كواكب التي  كنت اختصرتـُها
 لطول السـرد .

ــ   لا تـْـأ ُولْ  وداعـًا إزا ابـْـتـِـسمـَح ْ!
     بَعدْ ما اسْمـِعتْ كلامَكْ يا صِـيـّاد ،
     حابـِبْ  عـرّفك ْعلى إمّي وبـَيـّي .
ــ   ولكن... ! أنا... !  ما... !
ــ   إلـْحـَــأ ْني  يا ز َلـَمـِيْ !  يــِه ْ !

ساقتْ كواكب رؤوس الماعز أمامهـا  ، أما أنا فقد حمـَلتُ أمتعتي و ...تبعـْتـُهـا
(ماذا أفعل ؟ كانت جميلة و ذات شخصية مؤثرة ــ قـُل ماشئت) . و على الدرب
 جرى على قلبي الحديث التالي : ما الخبر ؟ كيف أزورأناسًا لا أعرفهم ؟ ما ذا سيقول أهلها ؟ كيف أدخل بيتهم دون هدية ؟ و لكنني مجرد صياد عابر ! أخاف
 أن يفتقدني صديقي في فندق المدينـة ! ربما لا أجد سيارة تنقلني إلى هناك لو
 تأخر الوقت !! ....و بالقرب من نبع المـاء  كان البيتُ الورديّ في الإنتظـار .

في وسط ساحة البيت كانت أم كواكب جالسة على كرسي خشبي صغير  و بيدها
مدقـة من الخشب و أمامهـا هاون كبيرمن الحجر ...أسموه جـُرنـًا . كانت تصنع (الكبـّة النيـّة ).التفتـَتْ المرأة  نحو كواكب... ثم نحوي... ثم ابتسمَـتْ قائلة ً:
   ــ أهـْلـِه و سَـهـْلـِه ْ بالضَيفْ !  ثم نادتْ : يابـُو اكويـْكـِبْ !
      خرج أبو كواكب من الغرفة القريبة بصدريـته المخططة وسرواله الأسود،
      نظر نحونا بعين واحدة بينما أغمضَ الأخرى قليلا ، تقدم سائلا :
   ــ مين الضّـيـْف بابا  يــا كـْويـْكـِبْ ؟
   ــ غـريب يا بـَيـّي !
   ــ  ما غريب غير الشيطان . أهـْلـَـه ْ! أهـْلـَـه ْ !
دخلتُ البيت و عرّفتُ الجميع على نفـْسي . علـّـقـَتْ كواكب سجادة الصلاة على الحائط ، مسَحتـْها بيدها من الأعلى إ لى  الأسفل ، ابتسمَـت ْ بإعـْجـاب ٍ ثم
 خرجـَتْ .  لم تمض ِ فترة طويلـة حتى كان غداؤنا جاهـزًا ..كبـّة نيـّة و كبـّة بالصينيـّة و بعض أقراص الكبة المشويـّة ، سلـَطات ، زبدة و عسل جبلي و كان
 على المائدة معي  أبو كواكب وثلاثة من جيران الحي .

 أحببت ُ المكان و أهلَ المكـان . بيت ٌ جميل يطلّ على الجبال المُعمـّمـة بالثلج ،
عبق أشجار الزيزفون ، أشجارٌ خضراء  و مياهٌ جارية ، هدوء و بساطـة في كل شيء ، أحسـستُ أنني أمتلك البيت و الطبيعة المجـاورة و ... كواكب !
 لكنّ كواكب ليست لي ! إنها لوالديها و لعريس المستقبل الذي تسمح له ظروفه بالعيش هنا ...
أما طعام العـشـاء فكان في بيت الجار (أبي ملحـِمْ ) الذي أصرّ على عمل العشاء لنا بعد معرفته بأنني ضيف أردني في قريتهم . و باختصار شديد  قررتُ قضاء  تلك الليلة في أحضـان القرية .

بعد تناول طعام العـشاء عند (أبي مـِلحـِم ْ) و المكوّن من التبـّولة ومشوي السمَـك
 و الطرَطـُور. و تحت دالية عملاقـة مزروعة بجانب المصطبة في صحن الدار
و مع  شـُرب أكواب( المتــّة ) أمام منقل ضخم من الحطب المشتعل تناول أحد الجالسين الدف وبدأ بالنقر عليه ثم تبادل مع جـارَيْـه ِ بعض أبيات ٍ من الزجل :

ـــ أ ُوفْ .. أ ُوفْ .. أ ُوفْ !
   أ ُرد ُنْ  يـَـأ ُردُن   يا  ، أحْلى سَمـَا و انـْجـُومْ  
   و ِلـْضَـيـْفـِـنا ابـْهـَاليـَومْ  ، خَـضـّرْ شَجَرْ لـِـكـْــرُوم ْ
   كـِلـْشـِي لـِنا ياناسْ ،  إمْـأ دّرْ  أ ُو مَـأ ْسـومْ            ( قلت له : مـَأ ْسـوم ْ !)
   ليْشْ الأسى و الهـَمْ ، ليْشْ الزعـَلْ و اللـّـُـوم ْ

ـــ  أ ُوفْ .. أ ُوفْ .. أ ُووووووووفْ  ،  يـابـا  !
    لـِبـْـنانـْـنا أَحـْلى بـِزْيـار ِة ِ الخـِلا ّنْ
   والميجَـنـا عَـلـّـِتْ عَا طـَلـّـِة ْ الإ ِخـْوانْ
     ما دامْ جَمَعـْنـا الحـُبْ واتـْعَـطـّر ِ ابْــنيسـانْ
   كـِرْما  إلـَكْ يــا ضيـْفْ  صار السـهـَرْ عنوان ْ
  
                                                                      
 ــ  أ ُوفْ .. أ ُوفْ .. أ ُووووووووفْ  ،  حبيـبي   !   ( قلت له : حبيبيْ !!)
     يا ضَيـْفــِـنا خلـّيــكْ  في هَـالــبَـلـَدْ مـِخــتـارْ
     تـَنـْصيرْ إلـَكْ أصحابْ  أ َوْ  نـُعـْتـَبـَرْ جيـران ْ
     يُنـْشـُـدْ  لـِنا الأردنْ من مـُصطـفى العـَرَّارْ
     و ِ يـِطـْرِبـَكْ  لـِبـْنـانْ مـِن ْ ( أشـْعـِرة ْ ) جـُبـْرانْ

 قال أحدهم : هات يا ضَيـْفنـا سمـّعنـا !..
انتبهتُ لوقوف كواكب في زاوية المصطبة منتظرة ً ما سـأقول و لم أكن أجيد
 شـِعر الزجَـل ولكنَّ الإلهـام بوجودهـا ساعدني فقلت على زجل الميجنـا :

ـــ ميجـَنـا   وْ يا ميجَنـا  وْ  يا ميجَـنـا
حـَنـّـُوا الحبـايبْ عـاتبـُونا اصْحـابــِنــا
(وردّ الجميع : حـَنـّـُوا الحبـايبْ عاتـبـُونا اصْحـابــِنــا) .

طيـف ِ الحـِلـُوْ مايـُـومْ عـَـا أ َلـْبـي أمَـرْ
إلا نــدَهـْتْ اسْـهيـلْ  أ ُو ناجيـتْ الأمَــرْ
حُبـّـُهْ سَــآني الويلْ  لا و الحنظــلْ أمَـرْ
هـُـوّ ِهْ نـِسـينـِي اوْفـَلْ مانـْسيتـُــو أنــا
يا ميجـــنا يا ميجـ ................نا

و استمر العزف و الغنـاء حتى ساعة متأخرة من الليـل بينما كانت كواكب
بمساعدة ( أم ملـحـم ) تقوم على خدمة الحضور بتقديم عصير الفواكه و مشوي
الذ ُرة  و في كل مرة تدخل بها كواكب المصطبة يتفتـّح ُ ثغـرُهـا على الحضور بابتسامة سرور لوجودي بينهم . سـرحَتْ أفكاري لـِلحظـات ٍ تـُهتُ فيها بين همس
 القلب و صراخ العقل ... ماذا سيحصلُ لو أصبحَتْ كواكب زوجتي ، إنهـا جميلة
و سأكون إبنـًا للعائلة ؟ الحياة هنا بسيطـة و الطبيعة خلابـة . ولكن ! هل أترُك
دراستي و أهلي ؟ لن تـترُك هي أهلهـا ! آه ! سأعِدُها أنني سأرجع بعد عام . لكنْ
ماذا سأعمل هنا في القرية  ؟ هل سأنـْطـُرُ الكـُرُوم ؟.....لا أستطيع التفكير !
انتبـه َ لشـُرودي أبو ملحم فقـال:

  ــ  وَيـْنْ يا ضيـْفنا سـَرَحْتْ ؟  و أجبتـُه فورًا:
  ــ  مع المَاعـِز ْ . ضحكَ الجميع ، و بعدها غادرنا بيت أبي ملحم شاكرين ثم
  قضيتُ ما تبقى من الليل في حجرة أبي كواكب و عند الصباح ا ستأذنتُ بالمغادرة   
  بعد أن تناولتُ و حسْب  طلبي كأسـًا من حليب الماعز فقط . حملـْتُ أمتعتي و   
  ودّعتُ أهل البيت آملا أن يجمعنـا اللـه مرة ثانيـة . سارت  معي كواكب حتى
 بعض الطريق والأسى باد ٍ على وجهـهـا  ثم قالت :
ــ  إنشَـلـّلـهْ ما أصـّرْنا مـَعـاكْ ! اجـْعـلـْـها ابـْعـَوْد ِي ْ !
ــ  لا ! أبـدًا  . أنا شاكر لكم جميعـًا من كل قلبي و لن أنسى فضلكم ماحييت.
   الحياة يا كواكب ساعات قدّر اللـه علينـا فيهـا كل شيء . من يدري ما يخبىء   
   المستقبل لي و لك ِ وللناس أجمعيـن  ؟
    وداعـًا يا كويـْكبْ للمرة الثانيـة !............ قالت :
ــ  وداعـــًا .......!  ولم أدْر ِ ما الذي لمـَع في عينيهـا . هل كان بريقُ الأمل أم دمـْعُ   
   الألم ، أم..... كـِلاهـُمـا !!!

                           ====================