الجمعة، 8 مارس 2013

كـوَاكــب



كـوَاكــب

فـا يـز ا بـو ا لـكا س



























في إحدى القرى الجبلية اللبنانيـة الجميلة حيث تـُعانـِقُ الغيومُ سطوحَ المنازل
 ليلا ً ثم تتركهـا مودّعـة ًعند ابتسـام شمس الصباح  ، و حيث تبني الصقورُ
 أعشاشها على حـِفاف ِ الصخور ويملأ طائرُ الشحرور فجْرَ القرية بعزفه
 المنفرد ، يرقد بيتٌ وردي ّ ٌصغير في نهـاية درب ٍ تكسـُو جوانبـَه أشجارُ
 التين و التفاح و الكرز ...في هذا البيت  تسـكنُ راعية ُ المـاعـز  (كواكب).

كان لـكواكب ، ذات السبعة عشر ربيعًا ، والدان عجوزان قامتْ على خدمتهما
ثم تولـّتْ  رعايـة َ مجموعة من الماعز لتزويـد العائلة باللبن . و بوجود بستان  صغيرمليءٍ بأشجار الفاكهـة و الخضار كانت العائلة  تـُنتج قسـمًا من طعامهـا .

كانت كواكب تتفجـّر جمالا و حيويـة ... قامتها الرشيقة أينـَعتْ  بفعل ماء النبع القريب و بهواء الجبال النقي وبثمر التوت البرّي الأحمر . كانت تحبّ ُ التوت
 البرّي  وكانت  حباتُ التوت تزهو بين أناملهـا. عيناها خضراوان بلون أشجار الأرز التي ملأت التلال المحيطـة . جديلتاها بلون  ليل الغابة القريبة .
صوتـُها صاف كصفاء بـِرْكة الماء  الصغيرة التي تتجمع مياهـها من عين ٍ
انبجَس ماؤهـا من قلب الصخور ...كان يحلو لها الجلوس أمام العين  وهي
 تطلق للريـح ِ صوتها الجبلي( بـالميجَنـا ) وموّال (هيهاتْ يابو الزلف)
 بلهجة قريتهـا ثم تـُتبـِعُــه بزغرودةٍ  ترقص لها الأغصان  فيهُبّ ُ النسيم
 نشوانـًا و تبدأ الطيور بالتغريـد . كنتُ في القـُرب ... استمعتُ للمـوّال حتى
 نهـايته ...
              هيهاتْ يابُو الزّ ُلـُـفْ        عَـيْــنــي يا مـُـولـَيـّـا
              ناجَيـْــتْ ربّ ِالسّـمـا        طل الحِـلـْو ِ اعْـلـَيـّـا

ــ   صباح الخير . هل تسمحون لي بالصيد في منطقتكم ؟ لقد أخبرني بعض
    الأصدقاء  بوجود طيور الحَـجَل في هذه التلال .( كنتُ شـابا وسيمـًا أرتدي
    ملابس الصيد و القبـّعة وأضع  النظارة الشمسية وأحمل على ظهري جعبة ً
    صغيرة ً فيها كل ما يُهـِم ّ ُ الصياد من لوازم ) .

ــ   بـُونْ جـُور...! مافي  مـِـيـنـِع ْ، ولكنْ  ابـْـشـَرط ْ ! تـَعطيني نـُصْ صَـيـْد َكْ.

ــ  اتفقنـا .

ــ   كـِلـْهـِنْ  بـِـيـأ ُولـُوا   هـَيـْكْ  ،  أ ُو بَـعـْدَيـْنْ  ما بْعـُودْ شـُوفْ إلهـُنْ  و ِشْ .

ــ  (همـَسـْت ُ: كانوا مـجـانين)  لا ..! سأرجع بعـد   الظهـر بحول اللـه !
    ..وهذا وعـد !

ــ  تـَـنـْـشـَوْفْ  !!!

  و ما أن ابتعدتُ قليلا حتى أمسكـَتْ بـجَـدْي ٍصغير من القطيـع أخذتْ
  تمسـحُ على رأســه ثم  بدأتْ بالغـِنـاء :

      يـا دَوّاريـــن الحَــجـَـــل ْ             و ِالأ ُمْر ِيْ  امْعـَـبّـــا الد ِيـر ِيْْ
     خلـّـُوا الحَجَـل بـِهـْمـُومـُو             لا تـْزيــدوا ابْــأ لـْبـُو الحـِـيـر ِيْ

فأجبتـُها على الفـَور و بـِلـَهجـَة ِ بلادي  :

    بـَطـّــلـْــتْ آدَوّ ِرْ حَــجَــــلْ              حَار ِمْ عـَـلـَيـّــِهْ صِــيـدُه ْ  
    صِـيـد ِ القـِمـْر ِيْ أحـْسَـنـْلي             بَـالـَّلـهْ يا رَبـّـِي اتـْزيــدُه ْ

ثم رفعـَتْ من وتيرة النغمـة قائلـة ً:

     يابـُو جـِفـْتْ ابـْخـَرْطوشـَيـْنْ           مَـيـّـِـلْ عـْـليـْنـا مـَيـّــِــلْ
     يُحـْرُسـَكْ رَبـّي مْن ِ العـَيـْنْ          و تِسـْلـَمْ إلـْنــا يـَـغـْزَيـّـِـلْ

ولما سمعتُ هذا القول رجعتُ نحو الراعية .... ( كنت ُ شـابـّا !!!)
 وضعتُ البندقية َ و الجُعبة على الأرض ، شربتُ بعض ماء  العين
 كي ألتقط َ أنفـاسـي  ثم  بدأتُ الحديث :

ــ     هل لي أن أعرفَ شيئـًا عنك ِ  أيتهـا الراعيـَة ، فلقد شجاني صوتـُـك
      و... سحَرَني  جـَ .... ؟ ( لم يكن باستطاعتي لفظ الكلمة حياءً و انبهـارًا ).

ــ    إسمي اكـْوَيـْـكـِبْ  أ ُوْ بـَيـْتي  فـَاوْأ ْ النـبـْعـَة ْ !  فيه ْ إمّـِي و بَـيـّيْ  ،
      و أنا بـِنـْتـهـُنْ الوَحـِـيـديْ .  راضْيينْ بالألـِـيل ْ ! بـِنـْحـِبْ أللـهْ و هالوَطنْ
     والحـِـرّيـة ...  هَـيـْكْ  انـْخَلأ ْنا ! 

ــ  ما أعذبَ هذا الكـلام !  كلامك ِ يدلّ على أنك ِ متعلـّـمة !

ــ  نـُصْ عـَنـُصْ ! ما كـَمـّلتْ المَـدرَســِيْ مـِنـْشــانْ سـاعِـدْ  مـَيـْمـْـتـِي ْ !

ــ  ماذا ستفعلين لو أتاك ِ شابّ ٌ يطلبُ يـَدك ِ إذن ْ ؟

ــ  إدّامـُهْ  خـَيـَارْ  واحـَـدْ مـَفـِي غـَيـْرُو !  ا ُوهـُوّي ْ :  العيـْشْ مَعـْنا
    ابـْهـالبـَيـْتْ ... حتى يـِفـْرجـْهـا رَبـْنا .

ــ  ليتني أسكـُنُ قريتكم ! و لكنني في عطلـة دراسية  و ستفتحُ الجامعة
   أبوابهـا  في بلادي  بعد  أسبوع .

ــ  ما خـَبـّرْتـْني  عنْ حالــَكْ.. اوْلـُوه ْ  ؟ ... مـِشْ هـَيـْك ْ الأ ُصُـول ْ ؟

  حملتُ البندقية و الجُعبـة  مُبار ِكـًـا بنـَظرة ٍ خاطفة ٍ خُضرة َ الأرز بعينيها ..

ــ آه ، متأسّـف !
 أنا من بلاد ٍ بعيدة ، يسُـودُها الظمأ ..
 لا ماء فيها ولا كلأ .
 يصلـُنا الماء في  الأسبوع مرّة ،
و لا نكاد  نملأ به الجـرّة .
 يسيطرُ علينا الطمع ،
 و المحظـوظ ُ منـّا  من سرَقَ و جَمـَع .
 الطعنُ بالغائب ِ هـَيـّن  ،
و النفـاقُ جـَلـِيّ ٌ  بــَيِـّـنْ .
  لا يـُجيـدُ مُـثـقـَّـفـُونا  الإعراب ،
  ولا يعرفون  الشحرورَ من ِ الغـُراب  .  
 الحسـدُ   فينا  نارٌ حارقـة ،
 و الكـَشْـرة ُ علامتـُنا الفارقة ْ .
 نـُلاقي الكـُرْه َ عـند الجـار  ،
 و الغـش ّ ُمن طبـْع ِ التـُجـّار .
 عم ّ أتكلم يا ابنة الطبيعـة ِ و رُوحَ  البراءة ؟
 عن طلبة ٍ لا يعرفون القراءة  !!؟
 أم عن الواسطة  و المحسوبيـّة ؟
 أم  عن  العصبية الغبـيـّة  ؟
 عن الضرائب؟ عن البطـالة و الفقر ؟ عن غلاء الأسعـار؟
أم عن مرض ٍ خبيث ٍ شرع َ بالإنتشار .......؟
 عن الفساد ؟ عن أكل حق الضعيف ؟
 عن صعوبة الحصول على الرغيف ؟
عن غدر الصديق ؟ عن حـُفـَر الطريق ؟
أعذريني!!!

سأرجـع ُإلى هنــاك لعلـّي أجـِدُ من يصغي لكـلامي ولـو  بأ ُذ ُن ٍ واحدة !
خذي مني سجـّادة الصـلاة الصغيرة هـذه  للذكـرى . ضعيهـا في بيتـكم
 و لا تنسوا الدعـاءَ لي  و لبـلدي بعد كل  صلاة .
........ وداعـًا  يـا كـْوَيـْكـِبْ  !!

                                    *************