الجمعة، 8 مارس 2013

زواج كواكـب





زواج  كواكـب

فـا يـز ا بو ا لـكا س
























النص طويل قليلا للضـرورة أرجو المعذرة .
و مرّ  من الزمن ثلاث سنين نلتُ بعدها
 شهادتي الجامعية التي  تؤهلني لمتابعة
تعليمي العالي الذي كانت تكاليفه مقبولة
 لو تم في بيروت . كنت متشوقــًا لبداية
المشوار لعل الماضي يعيد نفـسه كما يقولون . وصلتُ بيروت وكانت الحياة
غريبة في تلك العاصمة العالمية . روادها من كل حدب وصوب  شوارعها
حمراء  ساحاتها تعيد تاريخ الشهداء و شواطئها قرى نمل ٍ عار ٍ  . خَفـّتْ حدّة توتـّـُري عندما ذكرَ لي البعضُ اسماءَ مناطق ،  لها في معجم االبلدان خاصتي
 مكان ، كمنطقة (الشيــّاح ) و منطقة (الأشرفيـة) . . فاخترت الشياح مكانا أسكنُ
 فيه ، هكذا و بدون تفكير.  مضى على إقامتي شهر واحد كنت أتردد فيه على الجامعة باحثا في كل حافلة أركبها أو شارع أقطعه أو مطعم أدخله عن  أمل ٍ
صعب المنال و هو رؤية كواكب مصادفة في بيروت ولم يتحقق ذلك الأمل .

جلستُ ذات مساء في شرفة شقـتـي أراقبُ المارّة و كنت أرى في كل فتاة على الرصيف المقابل خيال كواكب .نظرتُ إلى البعيد فتراءتْ لي صورة ٌ  لطعام الغداء الذي تناولتـُه في بيت كواكب ومن عادة الضيف العربي  أن يحفظ حُرمة الزاد والملح  الذي يقدم له في بيت المُضيف و من ثم حرمة أهل هذا الزاد ... هكذا تعلـّمنا
و هكذا  فعلت . صحوتُ و قلتُ بصوت عال ٍ : لن أقابلك يا كواكب إلا بالطريقة
 التي ينبغي بها للغريب أن يقابل الغريبة أو... بالحلال مثلا .
سارعتُ في اليوم التالي إلى سوق الصاغة   و اشتريتُ سوارًا ذهبيا وضعه الصائغ داخل علبة مبطنة بالمخمل الأحمر .  قلت : هذا هدية لكواكب لو سنحتْ لي الفرصة أن ألقـاها  .
                                       ***
 و في  استراحة  الجامعـة جمَعتني طاولة الشاي بشابّ ٍ لطيف أظهر لي  السرور عندما عرف هويتـي . و من خلال الحديث عرفتُ أنه من نفس القرية التي تسكن فيها كواكب ...  يالـَغرابة الصُـدفة و يا لـَحُسْـن حظـّي !
لماذا كنتُ أدّعي دائمـًا أن الحظ لديّ عاثرٌ  و هاهو الحظ ّ يثبتُ لي عكس الإدّعاء . الحمد لله على حُسـن النيـّة !
ــ هل تعرف رجلا  في قريتكم يقال له ( أبو ملحم ) ؟
ــ نعم ، ولكنه توفي قبل عام . هل تربطـُك به علاقة ٌ ما ؟
ــ لا ، إنها معرفة عابرة حصلـَتْ قبل  ثلاث سنوات  . رحمه اللـه !
ــ ما اسم ُجاره صاحب قطيع الماعز ؟ ! ( تظـاهرتُ بعدم معرفة اسمـه   مـمهـدًا  
   لشيء في نفسـي ) فأجابني بلهجتـه التي أحببتـُها طويلا :
ــ ( بـُو كـْويـْكـِبْ ، أ َصْـد َك ْ )؟
ــ نعم .. نعم .! كيف حاله و حال أهل بيتـه ؟
ــ جميعهم بخير . سبحـان اللـه ! أنت ابن حلال ! هل تصـدّق ؟  أنا خطيب ابنتهم
   كواكب . لقد اكملـَتْ للتوّ  دراستها في كلية المعلمات بعد أن تقدمَتْ لامتحان
   الثانوية الخاصة .
زاغ مني البصر و أحسـسـتُ بالدم  يجري باردًا بأطرافي ، لكني تمالكتُ نفسي
ثم وعـَدتُ الشاب  في نهاية الجـِلسـة  بلقاء قريب و غادرتُ المكان متوجهًـا
إلى شقتي . لم أتناول طعام الغداء و استلقيتُ في سريري أكلـّم نفسي  و السّـوارُ
 في يدي : ثلاث سنوات يا رجُلْ ! تأخرتَ كثيرا . كان عليكَ أن ترسل خبرًا لو
 أردتَ أن ....هل أحبـبتَ كواكب  ؟ لكن شيئـًا لم يحصل حول هذا ال... ! ألم
 تكنْ دراستك أوْلى ؟  لماذا لم تتحقق من الخبر ؟ هب الشاب يمزح ! كيف لك
 الآن أن تزور بيت كواكب ؟ أظنـّـُك َ بدأتَ تشعرُ بالغربة  !! لماذا جئتَ هنا ؟
و بينما أنا كذلك إذ غلبني النوم و لم أنهض من نومي حتى حلّ المسـاء.

نزلتُ إلى المقهـى القريب ، طلبتُ فنجـانا من الشاي ، لم يعجبني الشاي ، طلبتُ بعض الشطائر ، لم أرَ أسوأ من طعمـها ، وبينما أنا كذلك دخل قاعة المقهـى  رجُلٌ يحمل عودًا مُصـدَّفـًا ..أجلـسَ الرجـُلُ نفسَه على كرسي بجانب البوفيه و بدأ
 بالعزف والغناء و كانت أولى أغانيه أغنية خليجية أطربَتْ زبائنَ المقهـى...
حسبتُ أنه يقصدني بكلماتهـا .

و ِشْ  أخـّر ِكْ .. وليـهْ  تـَوّ ِكْ  تـِجيـنْ
وينْ كـِـنـْـتـَيْ غايْـبـَة ْ كـِلَّ السّـِنيـنْ .. وشْ اخـّرِكْ ؟
كان ِ الضَـياع ْ في رِحْلــَـتيْ ، قبل اعْرفـِكْ ،  أصْدَ قْ دَليــلْ
كان ِ النهارْ في د ِنـْيـِتي ، مثل السـرابْ ، أوْ شـَيّ ِ من هذا القبيلْ
كان ِ ليل ِ الناس لـِـيل ْ وانا لـِـيـلـِيْ ماهـُو ليلْ ! ليتـِكْ سُـبقـْـتي موعد ِكْ
وجيتي قـَبـْل اوراق عُـمري لا تـِطـِـيح ْ و ِيْخَـضّبْ اغـصاني (الرحيلْ )
                                      ***
و في الجامعة و على طاولة الشاي مرة أخرى التقيتُ بخطيب كواكب الذي أعلمني أن عُرسـه سيتمّ يوم الخميس القادم في القرية و دعاني إلى حفلة العرس فقبلتُ
الدعوة  ... بدأتُ أكـيلُ لنفسي اللوم لطول غيابي عن معارفي في القرية و عدم السؤال عنهم . هل أنا واهمٌ بميل كواكب نحوي ؟ ربما كانت أ ُعْجـِبَتْ بي كشابّ ٍ
عابر في حياتهـا و كـأيّ فتاة أخرى في مثل سنـّهـا . إذن من حقـِها أن تجد لها
شريكـًا و من بلادها حَصـرًا .  ربما انتظرتني طويلا ولكني  لم أرجـِعْ ! ربما  تسببتُ  لها بالحسرة و كسْر الخاطر عندمـا  كانت تعقد الآمال على مستقبلها
معي ! أو ربما أنها نسيـَتْ ذلك اللقاء الذي لم يدُم ْ أكثر من يوم ... ولكن لماذا
لا زلتُ  أذكرُها  ؟ لماذا سـُر ِرْتُ بقدومي إلى لبنان ؟ لا بد أنها تشعر بنفس
 الشعور! !

وجاء الخميسُ مُسـْرِعـًا . ما أسرع َ أيام الخميس ! كنت ُ أ ُحـِبّ يوم الخميس لأنه  يوم لقاء الأحبة  والغائبين ! ولكنه يوم نهاية الأسبوع ! أكرَهُ  بعضَ النهايات !
  كرهتُ الخميس هذا لأنه يوم فراق ! سـأضَلّ ُ أذكر يوم الخميس كيوم ٍ استثنائي طيلة حياتي !      
                                             ***
في ساحة منزل الشاب ، جلسَ الضيوف على الكراسي في ظلال الأشجار و كنتُ واحدًا منهم . هل ستعرفني العروس لو رأتني بين الضيوف ؟  أخاف عليها من هول المفاجـأة لو عرفتني . سأتركهـا لـِفـَرَحهـا ولن ألفتَ نظرها لوجودي . اللهم بارك لها و أسألـُكَ أن تكون نسيَتـْني ... لم تكن تلك إلا (ساعات) جميلة  مضتْ في بيتـها كما هي الساعات التي تمر على كثير من الناس فتبقى ذكراها تلمع في الخاطر  ثم يُبليهـا الزمن . .  بـَعد ساعات ٍ ستكون كواكب في بيت زوجهـا !
 آه ٍ من الساعات ! قد تبدو أعوامـا ً وقد تمر ّ بلحظـات ...
اصطف ّ الشبابُ و الشيوخ بحلقة الدبكة وتناوب اثنان منهم اللعب بالسيف ثم  قول الزجل الذي لا أزال أحفظ بعضه :

 كانوا  الحبايبْ  يـِفـْرَحـُوا  ويـْكيـّـفـُوا
واليوم لا انضَـافـُوا ولا عادُوا  ايضيّــِفـُوا
طارُوا  لـَعْـصـافير اللي كانوا بالأفـَصْ
مـَدري ع َ أيـّا غصنْ راحُوا ايصَـيّـفـُوا

و بعد تناول الغداء الذي شمل الكثير من المدعوّين حضَرَت العروس في موكب مهيب من فتيات القرية بلباسهن التقليدي وهن يضربن الدفوف ، وبعد  جلوس العروس على منصتها و ذيول فستانها الأبيض تـُقبـّـِلُ أرض قريتـهـا ، بدأتْ دبكة الفتيات بإيقاع ٍ قويّ تناغمَ مع دقـّات قلبي. كنت ُ مزيجـًا من الرهـْبـَة و الحُزن
و اليأس و ربما بعض الفرح وراحت  الفتيـات  يغنـّيـن :

كـْويكبْ يا سِتْ السِتـّاتْ خـَدْت ِ الشـبّ ِ الشاطرْ
غارُوا منـّـِك ْ هالبـَنـاتْ  وْجَـدّلـُوا الضّـفـايــِرْ
ألـْبـي عَ اللي راحْ ايحِبْ  وْ مَـضـّى عُمرُهْ  نـاطـِرْ
رَحْ  تِـبْـكـِي  عْـليـْهْ  انجـُومْ الليْـل وِتـْـعـَتـّـِـم ِالأنـاطِرْ

نهضْتُ من مقعدي بخفـّة و توجـّهتُ نحو الشارع الصغير الذي ضَلـّلـتـْهُ  أشجارُ
التين ، والتحقتُ بموكب زفة العريس القادمة من نهاية الشارع . أخذتُ مكاني
 بجانب العريس واضعا ذراعي بذراعه ، اعتذرتُ منه لمغادرتي مبكـّرًا و ذلك لظروف طارئة ..ثم  وضعتُ يدي في جيبـه و...أسقطتُ من يدي عُـلبة الإسوار الذهبي  قائلا:
لا تؤاخذني ! (مافي إشي من الواجب ) ... نـُقوط العروس !
ثم انصرفتُ نحو بيروت لأدخل أقرب مكتب ٍ لبيع تذاكر السفرفي الطائرة  .

                           =====================