الجمعة، 8 مارس 2013

كـيـس و ليـلـَـة




كـيـس و ليـلـَـة

د. فـايـز ا بـو الـكا س























ذكرَ تاريخُ  الأدب العربيّ  قصصًا  في
 الحب العذري  كقصة  قيس  وليلى ،
 و عنتر و عبلـة ، و قيس و لبنى ،
  و كثير وعزة ، و بـِشـْر و هنـد ،
  و جميل و بثينـة وغيرها من
  روائع قصص الحب   التي أصبحت رموزا  للوفاء و الإخلاص ومستودعات للشعر
 الجميل الذي لا  يزال زاخرا في الفصاحة والبلاغة  و مرتعـا خصبا للبحث  و الدراسة ..
 عندما يقرأ الباحث تلك القصص و يمُرّ على الشعر الذي قاله الحبيبان يعجب من مدى تعلـّـُق  كل منهما بالآخر و مدى التفاني فداءً  لذلك الحب  مقارنـًا  أحبّـة الزمن الغابر بأحبـّة الزمن الحاضر .
 و في عجالة  من السطور سأسرد لكم قصة من قصص حب هذا الزمان  فيها بعض  الرمزية  الخفيفة في الكلمات و العبارات ، ربما  تصلح للقراءة في مثل هذه الليالي الباردة من شهر ديسمبر ، وهي قصة :

 ( كيس و ليلـة )

كان ( كيس ) شابا وجيهـًا في أهلـه ، وسيمًا يحبّ  أن يلبس الربْطة مَرخيّة قليلا
حول عنقـَه ، ممتلىء  الجسم ، قوي البُـنية . عاش مُـدلـّلا ً عند والديـه ، واصلا
لأخواته و إخوته .
التقى صُدفـة ً بـ ( ليلـة ) فبهره جمالها : سمراء ، رشيقة القوام ، تعشق السـهر
و المرح و الأدب . أصدقاؤها من حولها ينتظرون رؤيتها للإستماع إلى حديثها
 و كان (كيس) ذات مرة ٍ واحدًا منهم . عشِقَ (كيسٌ)  (ليلـة) و أخذ يتردد على
صالونها الأدبي مُغدقا المال الوفير عليها وعلى روّاد الصالون بينما تـُوفـّرُ له
(ليلـة) دائما أريكة خاصة للجلوس و تخُصّـُه بحديثها العذب و بما تحفظه من
 شعر الأولين في قصص الحب العذري و مدى إخلاص أطرافه   .

عندما رأت (ليلة ُ) (كيسـًا) لأول مرة  أ ُعجبتْ بشخصيته : شابٌ  ثريّ ، كريمٌ
 و ذو جاذبية ، يحترمه كل من حوله ، و يتمنى الكثيرون صُحبتـهُ و نيلَ بعض
 رضاه ! و هكذا ظهرَتْ  على الإثنين بوادرُ مَيل ٍ خفيّ ظنـّه (كيس) حـُبّـًا عندما
 بدأ كل منهما يستلطف الآخر  .. يعرض (كيسٌ)  ماله بسـَخاء ،  و تغريه  
( ليلة) بجمالها  و مكانتها و حديثهـا و صالونها الذي كان يقضي به (كيسٌ)
 معظم سهراته  . ولكن هل كان الإعجاب ، أو قـُل الحبُّ  ، خالصـًا و خال ٍ
 من المصلحة كالحب في قصص الأوّلـِين  مثلا ؟ ..  لقد مرّ على (ليلة) ما
يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة   مثل (كيس)  ، فهل سيكون (كيس) واحدا
 مثلهم أم سيـمـِيزُ عنهم ؟ ...بدأ (كيسٌ) يُسـطـّر ، كعادة العشاق ، بعض أبيات
 الشـِعر  في دفتره و مما كتبه :
لا يعرفُ الحُبَّ إلا مَنْ رأى (ليلة ً) : و َ(الكيسُ) أضحى بمحراب الهوى عَابـِدا 
 
و مرّ زمانٌ .. شعَر والد (كيس) بعده  بأنّ ابنه أصبح يعود للبيت متأخرًا ، و أنّه
بدأ يصيبه   بعض الشرود و الهزال ، فأدرك الموقف ثم  نصَحَ ابنـَه قائلا :

يا (كيسُ) ما أبلى فؤادَك ؟  فالهَــوى : في هـــذه الأيـّـام مَحضُ منـافـِـع ِ
 واحرصْ، حماك اللـه ، يا ولدي فكم : من راشـــد ٍ ذلَّ الغـرام ُ و يافـِع ِ
و العشقُ لا يعني السعــادة َ لامرىء ٍ : إنْ كنتَ مغرورًا ، وليس بدافـِـع ِ
عنكَ الليالي المُظلماتِ ، فـشـَرْعُها   : لا تـُجزىءُ المُضنى  شفاعة ُ شافـِع

كان (كيسُ) على درجة من فهم معاني الشعر ، عَرفَ مقصـد والده  فأراد
 أن يختبر مدى  حُب (ليلة) له . لبس (كيس) ملابسه القديمة و تظاهر
 بالمرض ثم  ذهب إلى حيث يسهر الأصدقاء . جلس إلى أريكته المعهودة
 و لم يلبث أن تجمّع حوله الأصحاب و بعد قليل حضرتْ (ليلة) بثوب
سهرتها الجميل و انتظرالجميع أن يبادر (كيس) ، و كالعادة  ، بمفاجـأة
 ضيوفه بما لذ َّ و طاب من  الطعام والشراب و الهدايا .. غير أن (كيسـًا)
 لم يفعل ، بل أعلمَ الجميع بأنه واقعٌ في ضائقة ٍ يحتاج على  أثرها  لبعض
 المال ! نظرتْ (ليلـة) إلى  (كيس) نظرة ً لم يعهدْهـا من قبل  ثم قالت
 غـامزة :
نحن الليالي السّـُمْرُ يهوانا الذهبْ :  فليَعْـــلم ِ الأحبـابُ  مِنـَّا مــا الأرَبْ
قد كنتَ يا ( كيسٌ ) عزيزًا عندنـا:  فاضتْ بأيديــكَ الهدايـــا و العـُـلـَبْ
لكنـَّنا و الحـالُ صعبٌ هــا هُنـا   :  قد جئتَ في وقتٍ عَصيبٍ للصـَّحـَبْ
ياليتــها الأيّــام تـَبقــى حـُلـَّـــــة ً :  فضفاضَة َالأكـْمَــام  يَعلوها القصَبْ

فأجابها (كيس) و قد صـُـدِمَ  لقولها الذي لم يتوقعـه  :

ياليتَ شِـعــري هل درَى : ( قيسٌ ) بـِـوادي ذي القـُرى
أنّ الهـــوى فــي يومنــــا:  وَهـْـم ٌ وَضِـيــعٌ يُــفـْـتــرى    
أوّاهُ  يــا (بـِشْـــرُ) فكــَـمْ :  صُنـتَ المعالي في الـذ ُرى                           
الآنَ  يا (لـُبنى) اعْلـَمِي  :  حـُـبّ ٌ بـفـِلـس ٍ  يُشـْتــَـرى ؟                                          
يا (عـَزّ ُ) نادي شـَيخـَكِ :  يا (عَـبـْـلُ) هـاتِي عَـنـْـتـرا
 هل حُبـّـُكم صدقـًا جَرَى:  أم كــان زيْــفــًـا يا تـُــرى ؟

نهض (كيسٌ) من مقعده ثم خرج  راسِمـًا على محـيّـاه ابتسامة ً ساخرة ًً
بعد أن كاد هوى (ليلـة) يجلب له الوبال ..
 و هناك من شـُبـّاك غرفته أطلَّ إلى البعيد مـُحدّثـًا  نفسه :  ولكن!!
 كيف توصّلَ  والدي إلى  تلك  الحكمة ..؟
                                  *********