أغنيـة ُ الفينيـق
د.فـايـز ابـو الـكا س
فوقَ نخلـة ٍ يعانقُ تاجُهـا بُرجَ الجوزاء ، جثـَمَ الفينيق العجوز و ألقى بنـَظـَره
الحاد نحو من هُم دونه من أهل الرماد و الفناء . نفضَ ريشـَه الذهبي والتفتَ
إلى الشمس و بدأ يُغـَنـّي.. هزّ غناؤه أعطـافَ البشر ، و وجَمَت ِالطيور فوق
الشجر.. ظهـرَ الفينيق شامخـًا يُطل بجسـده العملاق على البر و البحر..
تلفـّت نحو اليمين فرأى البشر كالأقزام يُشيرون بأصابعهم الهزيلة نحو النخلة
و يصيحون و يتراكضون كالفئران المذعورة ، و أبصرَ الحيتانَ تستمع عند
سطح الماء ، نافخة ً نوافيرَها في الهواء لتجمعَ بعضَ مائها عرائسُ البحر
في صحْفات ٍ من الفضـة . لم تكن عرائسُ البحر حزينة ًكذاك اليوم حين أخذتْ أبواقــُها تصـدحُ نغمات ِ الموت و الانبعـاث ..
ثم تلفـّتَ الفينيق ذاتَ الشمال فرأى الغابات ِ بحارًا من الدنـَس و رأى أنيابـًا
تقطر منها الدماء ، و ألسنـَة ً تلهج بأقذع الألفـاظ ! ضجَّ البحرُبموسيقى الرثاء وكذلك فعـَلـَت ِ الأرض ثم تبعتهما السّمـاء ..
الكونُ باكٍ للفينيق وهو يرسل أغنية َ الوداع بلحن ٍجنائزي حزين.
ألفُ عام عاشها الفينيق متنقلا في بلاد الشرق عامـِلَ عوْن ٍ و تـُرْسَ حمـاية !
وهاهو صوته النبيل يضعُفُ شيئا فشيئـا ..و النخلة ُ تـُرسـِلُ لهيبَ الأبديـّة !
سيحترقُ الفينيق العجوز فوق عـُشـّه في الأعالي مثل باقي الشرفاء الذين يأبون الموت عند أقدام النخيل .
فرحَ كلّ ُ وضيع ٍ لاقتراب اشتعال الفينيق بالنار السرمدية .. و على حين غـِرّة ،
دبـّت النار بأطراف الريش الذهبي.. تعالى بكاء النبلاء من البشر وماجتْ
حناجرُ الطيور بالترانيم.. و احترق الفينيق !
تنفسّت ِالذئابُ و الثعالبُ و الأفاعي الصُعـَداء وهي ترفع بأذنابها شارة النصر .. ولكن فرْحة َ السفـَلـَة ِ لم تدم طويلا ! فقد كان الفينيق وضَعَ ألفَ بيضة ٍ في
قمة النخلة ، أخرجَتْ من بين الرماد و الفناء ألفَ فينيق حيّ ٍ جديد ،
تفوق ببهائها و قوّتها و نـُبل ِ أخلاقها الفينيق الذي ارتفع نحو الشمس ليستقرَّ
هناك في برج الجوزاء !
العارُ للأنذال ! فالنـّـُبلُ لا يموت .. و موتُ الشرفاء بداية ُ حياة ٍ جديدة
بينما حياة ُ الأنذال موتٌ دنيء !
☼ ☼ ☼