الجمعة، 8 مارس 2013

أغنيـة ُ الفينيـق

أغنيـة ُ الفينيـق
























د.فـايـز ابـو الـكا س

فوقَ نخلـة ٍ يعانقُ تاجُهـا بُرجَ  الجوزاء ،  جثـَمَ الفينيق العجوز و ألقى بنـَظـَره
الحاد  نحو من هُم دونه من أهل الرماد و الفناء . نفضَ ريشـَه الذهبي والتفتَ
 إلى الشمس و بدأ يُغـَنـّي.. هزّ غناؤه أعطـافَ البشر ،  و وجَمَت ِالطيور فوق
 الشجر.. ظهـرَ الفينيق  شامخـًا يُطل بجسـده العملاق على البر و البحر..
تلفـّت نحو اليمين فرأى  البشر كالأقزام  يُشيرون بأصابعهم الهزيلة نحو النخلة
 و يصيحون و يتراكضون كالفئران المذعورة  ، و أبصرَ   الحيتانَ تستمع عند
سطح الماء ، نافخة ً نوافيرَها في الهواء لتجمعَ بعضَ مائها  عرائسُ البحر
في صحْفات ٍ من الفضـة  . لم تكن عرائسُ البحر حزينة ًكذاك اليوم حين أخذتْ أبواقــُها  تصـدحُ نغمات ِ الموت و الانبعـاث  ..
 ثم تلفـّتَ الفينيق ذاتَ  الشمال  فرأى الغابات ِ بحارًا من الدنـَس و رأى  أنيابـًا  
تقطر منها الدماء ، و ألسنـَة ً تلهج  بأقذع الألفـاظ ! ضجَّ البحرُبموسيقى الرثاء وكذلك فعـَلـَت ِ الأرض  ثم تبعتهما السّمـاء ..
الكونُ باكٍ للفينيق وهو يرسل أغنية َ الوداع  بلحن ٍجنائزي حزين.

ألفُ عام عاشها الفينيق  متنقلا في بلاد الشرق عامـِلَ عوْن ٍ و تـُرْسَ  حمـاية !
 وهاهو صوته النبيل يضعُفُ شيئا فشيئـا ..و النخلة ُ تـُرسـِلُ لهيبَ الأبديـّة !
سيحترقُ الفينيق العجوز فوق عـُشـّه في الأعالي مثل باقي الشرفاء الذين يأبون الموت عند أقدام النخيل .
فرحَ كلّ ُ وضيع ٍ لاقتراب اشتعال الفينيق بالنار السرمدية .. و على حين غـِرّة ،
 دبـّت النار بأطراف  الريش الذهبي..  تعالى بكاء النبلاء من البشر وماجتْ
حناجرُ الطيور  بالترانيم.. و احترق الفينيق !

 تنفسّت ِالذئابُ و الثعالبُ و الأفاعي الصُعـَداء وهي ترفع بأذنابها شارة النصر .. ولكن  فرْحة َ السفـَلـَة ِ لم تدم طويلا !  فقد كان الفينيق وضَعَ ألفَ بيضة ٍ  في
 قمة النخلة ، أخرجَتْ من بين الرماد و الفناء ألفَ فينيق  حيّ ٍ  جديد ،
 تفوق ببهائها و قوّتها و نـُبل ِ أخلاقها الفينيق الذي ارتفع نحو الشمس ليستقرَّ
 هناك في برج الجوزاء !
 العارُ للأنذال  !  فالنـّـُبلُ لا يموت ..  و موتُ الشرفاء بداية ُ حياة ٍ جديدة
  بينما حياة ُ الأنذال موتٌ دنيء  !