و جـاء الشتـاء
د. فـايـز ابـو الـكا س
و جاء الشتاء ممتطيا صهوة غيمة سوداء تسكب البرد والمطر من دلاء ليل موحش ،
و ليس عندي في دارتي إلا موقد حطب صغير و إطار صورة من الخشب لمحارب
قديم و بعض ألواح الصبر الجافة ..و قلم .. و شمعة .
تحاول العتمة في الخارج سرقة نور الشمعة كي تمنعني من كتابة حقائق الواقع ، فتقف
الستائر حائلا دونها.. الدروب في الخارج وحيدة تروي لأشجار التين العـارية
الواقفة على جوانبها كالأشباح حكايات الجدّات وهنّ يغزلن الصوف في دفء جمر
يحتضـر.
ألا زلت ِ يا شجيرة البيلسـان.. تذكرين الجلسات في شرفة هذا المنزل الصغير ؟
ها هي الطاولة القديمة لا زالت تغطيها قطعة القماش التي طرزتها إبرة مغروزة في
الجدار ، و يعلوهـا دفتر مذكرات أصفرّت أوراقه .. لم يبق يُجالس الطاولة إلا
هذا الكرسي العجـوز و قصـيـدة شِـعـر ٍ تعزف إيقاعا يبدد السكون و الوحدة ،
على أنغام أغنية تقول : صرّخْ عليهُـنْ بالشـّـِتي يا ديـبْ بـَلـْكي بيسْـمَعـُوا.. !
أيها الشتاء الطويل البارد ، إن استطاع ليلك أن يـجمد الكلمات في قلمي فإنها ستخرج
كحبات بَرَد أتعبها المسير ثم تذوب بعدها في جمرقصائدي ! كم أنت ظالم لتحجب
القمرعني ! أشتاق إليه.. أناديه .. و انتظر ! فلا أسمع إلا صفير الريح ، ولا أرى
إلا سبـاق الغيوم و لمع البرق !
سأعيش في لياليك أيها الشتاء في اللامكان إذ ما فائدة المكان لمن يتوجس منه خيفة
و غربة ؟ و سأقضي ساعات بَرْدك في اللازمان إذ مانفع الزمان لمن ينظم دقائق
الوقت قلائد من الوهم و الانتظـار؟ المكان و الزمان في عتمتك يا مـارد البرد ضاق
بهما قلبي فألقى بهما في العراء ليتجمدا في صقيعك إلى الأبد فإنه لا يحتاجهما بعد اليوم .
************