في المقهـى
أحسـِبُ أن ابن َخلدون كان يقصدني عندما قال :( الإنسان اجتماعيّ ٌ بطبعه) ، فأنا اجتماعيّ إلى أبعد الحدود ، يطيب لي التواصل مع القريب
و الغريب فأزيد من سعـَة أفقي و دائرة معرفتي . أبتسمُ لكل الذين أراهم حتى أنني أشعرُ أحيانا أنني ساذجٌ إلى حـدّ ٍ ما .. ولكنَّها طبيعتي التي
لم أستطع تبديلها طيلة مـا مرَّ من عمُري الذي يحملُ شهادة َ ميلاد ٍ
عمرُهـا ثلاثون عـامـًا .
كنتُ و لا زلتُ من عُشاق النوادي و المطـاعم و المقاهي الشعبية ( آه ،عـُذرًا ، نسيتُ أن أنوّه بأنني لا زلتُ أعزبـًا و أبحثُ عن شريكة ٍ لحيـاتي )
أدخلـُها لا رغبة ً بطعـام ٍأو شراب ٍأو تسلية ٍ بورق اللعب ، ولكن لأجتهد في صُنع علاقة ٍ مع شخص ٍ أحاورُهُ و يحاورني في مـسألة ٍ عابرة ثم أتركـُهُ بعدها و قد غنـِمْتُ منه فكرة ً ربّمـا لم أعرفها من قبل .
و في مقهـى هادىء ٍ اتـّخذ َ له صاحبُـه من زاوية الشارع مكـانـًا يرتادُه شبابُ الأحيـاء القريبة .. رأيتـُهـا !! كانت غـادة ً طويلة ً.. تضعُ على
رأسها تاجـًا مـُذهـَّـبـًا ، و تـُمسكُ بيدها كـُرباجـًا خفيفـًا مـُزيـّنـًا بخيوط
الساتـان . وبكلّ صراحة .. أعجبتنـي ، فاتخذتُ لنفسي مَقعـدًا يقـابلـُهـا !
لم أعتـد النظـَر للسيدات أو مغازلتهنّ ولكني كنتُ مشدودًا بقوة ٍ خفيـَّة ٍ
للتـأمّل و راح قلمُ قلبي يخـُط ّ وصفـًا لتلك الحسـناء دون أن أقصد ذلك .. جسـدٌ بـِلـَّوريٌ صـاف ٍ .. خـَصـرٌ نحيـلٌ .. ضحكـاتٌ إيقاعيـَّة ..
و صوتٌ يعزفُ ألحـانَ حـِجـاز ! و لكنـَّها كانت تـُدخـّـِن !!
و لأنني اجتمـاعيٌ بطبعي أجلسْتُ بَسـاطتي قـُربَها بعد استئـذان ٍ لقيَ
منها كلَّ الترحيب و بدأنا الحديثَ الذي استفـْتـَحْْـتـُـه بنفـَس ٍ طويل ٍ ،
سحبـْـتـُـهُ ، محاولا ً به ِ استردادَ رَوْعي الذي كدتُ أن أفـْقـِدَه !!
يالها من حسناء َ مُسـلـّـِية ًتـُجـيدُ أ ُصولََ الحديث !
حدّثتـْني عن أناس ٍ كثيرين قابلـَـتـْهم و استمعَـتْ إلى أسرارهـِم ..
كانت أفكـارُها تتحـدّرُ من دمـاغ ٍ مـُتـَّقـِد رغم برودة أعصـابـِها ..
فقد كانت تنطلقُ بضحكـة ٍ بعد كل زفـْرة ٍ من زفـْراتي المتلاحقة .
و مضتْ نصفُ ساعة أو نحوهـا ، تحدّثـْتُ معهـا و أنا أ ُنـَقـّـِلُ
كرباجَـها المُخمليَّ الناعم بين يدي اليمنى و يدي اليـُسرى ثم
أ ُقبـّلـُهُُ خـِلـسة ً مـُعجـَبـًا بطريقـة ِ تدخيـنهـا ، إلى أنْ شعرتُ
بضيق ٍ في تنفـّسي كاد أن ينسـفَ نظرية َ ابن خلدون من أساسهـا ..
و لم يثبـُتْ لديّ أنني مثالُ الشابّ ِالإجتماعي الذي يُجيد التواصل ،
فقدْ فشـِلتُ في ذلك الإمتحان فشـلا ً ذريعـًا عاهدْتُ نفسي بعده ُ أن
أبقى بعيدًا عن مثيلات تلك الحسنـاء !!
استأذنتـُهـا ثانية ً و لكنْ هذه المرّة بالمغـادرة ..حيـَّتني ثم انصرفـَتْ
مع حارسـِها الشخصي لتأخذ لنفـْسـِها و قتـًا تـُصلح ُ فيه مكيـاجـَها !