د. فـايز ابـو الـكا س
تأبى بعض الكلمات إلا أن تكون غامضة ، فيها من الجناس و التورية ما
يسبب اختلاف تأويلها فلا يدرك مغزاها إلا من تدثر بدَفِـيء أ ُزُر المعرفة
رافدًا بحرارتها روحًا أرجفها صقيعُ التأمل ثم غوصًا في موجودات العقل
الباطن الذي يحتفظ بحقائق السلوك . لا تـَعجَبنْ مِن عجْزك في حل ألغاز ما
تراه أو تسمعه أو تقرأه ، لأنك أنت لغزٌ في حد ذاتك ، فهل عرفتَ نفسك
قبل أن تعرف غيرك أو ما يدور في فلكـك ؟
شخصُكَ تجربة ٌسابقة و خبرة ٌمضتْ دَمغتْ أثرًا ربّما لا يزول و معتقـَدا يؤول
إلى تصرف قد لا يكون لك به حول ولا قوة . أنت في الحقيقة روحٌ خفية
و قناعة تديرسلوكا يعكس طبيعة تلك القناعة. إذن أنت ظاهرٌ ذو معنى، مربوط ٌ
بكيان ٍ خفي ذي كيفية ، و كلا الجانبين الدالـّين عليك كإنسان متصلان يؤثر واحدهما في طبيعة الآخر ويعدّل من مساره .
من إعجازوجود الإنسان ألا يفهم ذاته دون تدبّـُر ، والتدبر عملية عقلية تتفاعل
في الذهن ، و أيضا ألا يفهم غيره دون توفرنفس المتطلـَّب ! فالناظر إلى
لوحة مرسومة أو شخص ماثل أمامه يرى و يحلل الأبعاد كما يمليه عليه
عقله الخفي و ذلك حسب خبراته السابقة التي مرَّت به . و القارىء لقطعة
مكتوبة قد يدرك بعض مآرب كاتبها ، و قد يفوته الكثير منها ، و قد لا يهتدي
أبدا لما أراده الكاتب لأنه يحاول فك الشيفرة التي أمامه حسب ما تراكم في
عقله الباطن من مدخلات لذكريات قد تختلف لغتها أو معاني الكلمات في
معجمها عما هو في صدد فهمـه .
تأمل معي هذه الأبيات التلقائية ثم حاول فكّ رموزها :
يا مَن ظـنـنـْتَ الوردَ غاف ٍ في حِماهْ
أخطأتَ في فهم ٍ بـَدى فيما تراهْ
هو باحمرار الغـَيـْظِ من خلف السياجْ
جميـلة ٌ في الخـَيـْط ِِ قد شـَدَّتْ عُـراه ْ
لن تستطيع تحليل ما أظلـّـته السطور في ظلـها ولو خال لك في البداية أنها
تسمح لإدراكك بالوُلوج إلى معناها و ذلك لسطحية ألفاظها ، لأنَّ شـَوْنـَة َ
عقلك الباطن قد لا تحتوي أية مدخلات حول المشهد الذي وصفه الكاتب .
أما إن كنتَ شاطرتـَه ذات التجربة أو ما يشبهـها أو لدَيكَ مدخلات معرفية
حول ظروف الموقف فقد تصل إلى تأويل مقاصده ، و هذا ينطبق تماما
على متأمل اللوحة وعلى كل متذوق لعمل فني إبداعي يحتاج إلى نظرة ٍثاقبة
و سَعة ٍفي الأفق كي يتم تأويل الهدف فيما وراء هذا العمل .