مأساة حمـَـامة ( قصة للصبيان و الصبايا -15 سنة )
د.فايز ابو الكا س
خرجْتُ في الصباح الباكر أبحثُ في الحقول و الهضاب و بين الحشائش والأعشاب عن طعامي فقد كنتُ على وشك الإشتراك ببناء عش لي و لشريكي الذي كان يجمع القشَّ بمنقاره من الأودية القريبة بحذر خوفـًا من كواسر الطير و أذى الإنسان
الذي تنال يده من كل ما تطاله ، لا لحاجة وإنما لإشباع غرائزه كالغرور و حب التملك و ربما العداء .
و بينما كنتُ محلقة ً فوق السهول الجرداء ، رأيتُ في الأسفل مُزارعًا يبذر
أرضه ، فمـِلتُ بجناحَيّ نحوه و اقتربتُ منه حتى أدركتُ أنه يبذر القمح استعدادا
لحراثة أرضه .قلتُ في نفسي : أهبط ُ هاهنا لالتقاط بعض الحَب وللمزارع الأجر
والبركة من اللـه فنحن معشر الطيور لا نزرع ولا نحصد و ندعو لمن يطعمنا ..
وما كادت رجلاي تلمسان أرض الحقل حتى توقف المزارع عن البذار ثم بدأ يراقبني من بُعد . و بينما أنا منهمكة في نقر الحب و جَمعه في حوصلتي سمعتُ صوتا خفيفا أجفلتُ منه و شيئـًا ما آخر بدأ يضغط على عنقي حتى كاد يخنقني . دفعتُ الأرض برجليّ لأرتفع فلم أستطعْ .. رفرفتُ بجناحيّ ولكنّني شعرتُ بثقل ٍ
يسحبني للأسفل .
أحسَـسْتُ بالألم حول عنقي و أيقنتُ بالهلاك ! ركض المزارع نحوي فصرختُ لرفيق دربي.. و ناديتُ معشـَرَ الحمام.. ولكنني لم أسمع جوابا.. أمسكني
المزارع من جناحَيّ فتألمتُ كثيرا ثم سمعتـُه بعد ذلك يقول :
شكرًا أيتها الفخ المباركة ..أما أنتِ يا حمامتي البيضاء سأذبحكِ و أشويك ِ
على بعض القش .. ولكنك جميلة و من فصيلة معروفة !!
آه .. حسنـًا ! سأخذك للبيت و أزوّجك من ديك الحمام البني فإنه ديكٌ كسول
و ثقيل الظل لم تعشقـه فرخة منذ سنة .
وفي بيت هذا المزارع ذقتُ الويل لغربتي عمن أحببت و لمجاورتي لشريك
لا أطيقه . لم أتناول الطعام ليومين فبدأ المزارع يُدخلُ القمح في منقاري
عنوة كي لا أموت، ثم وضعني بعدها في قفص مع الديك البني ثقيل الظل ،
أجشّ الصوت وخشن الريش .
أين المفر من هذا القفص المُحكم ؟ أظلمَتِ الدنيا بعيني و أيقنتُ بأنني خسرتُ
كل ما كنت خططت له ! كانت تلك السنة كبيسـة تمنيتُ الموت فيها على
العيش مع هذا الديك العجوز .و لكنها مشيئة اللـه و قدري المحتوم .و بعدأن
قضيت شهر شباط كاملا في هذا القفص أطرق الديك العجوز عندما
سمع هديلي الحزين الذي قلت فيه:
إنْ تأسِـرِ الأقفاصُ ريشَ جناحنا : طـِرْنا بقلب ٍنابض ٍ لديارنا
نبكي فتشقى للبكـاء عيونـُنــــــا : ياليتهم كانـوا هنا بجـوارنا
ثم قال : أيتها الغريبة الحزينة ! شتاؤنا هذا العام قاس ٍ و أنا ديكُ حمام ٍ
عجوز ، ولا أظن أنني سأبقى للربيع القادم . سنتعاون معًا في رفع باب
القفص ثم تحاولي الخروج من بين القضبان وتطيري إلى ديارك .
ساعدَني العجوز برفع باب القفص بمنقاره المعوجّ ثم أخرجتُ جناحي من
الفتحة و صار بعدها خروج باقي جسمي سهلا . وقفتُ على ظهر القفص ..
إنني الآن حرة !! ضربتُ طرف القفص بجناحي مودعة ذلك الطائر
العجوز و غادرتُ مسرعة ًباتجـاه الشجرة التي كنتُ سأبني فيها عُشـّي .
و هناك كانت المفاجأة تنتظرني فلقد رأيتُ حمامة ً ترقد في عشّ ٍ جميل
على الشجرة نفسها بينما كان شريك حياتي يضع الطعام و الماء في
منقارهـا .
السؤال : أمضت الحمامة في بيت المزارع
أ - 28 يوما ب – 29 يوما ج – 30 يوما د – 31 يوما
*************