مأسـاة ضـاحـكـة
فـا يـز ا بو ا لـكا س
شّـُخـُوص التمثيليـة :
بائع الرُمّـان – الوالي - الحـاجب
– بعض الجواري – الحـا رس
اعتادَ بائعُ الرُمّـان الفقير ، الذي تستطيعُ أن تصفـَه بالأبلـه ِالذكيّ ، أن يصْحو
مبكرًا كلّ صبـاح ، يرفعُ خيمة ً صغيرة ً على زاوية الشارع ويَـبـْسُط كيسَـه
تحتهـا واضعًا فوق الكيس خمسين حبة من الرمان الأحمـر الناضر ثم يجلس
بجانبها مناديًا بصوت ٍ رخيم ، شارحـًا فضل ثمرة الرُمّان على الإنسـان :
قـِـشـْر ٌ،
زهـرٌ ، لونٌٌ، طـَعمٌ
سـحـرٌ يـا حَـبّ الرُمـّـــــانْ
أحـْبـِـــبْ فـــي هـــذا التــكـْــويــرْ
فــوْقَ الغُــصـن العالي تـُـثيرْ
شـــوقَ الرسـّــام ِ
الـفـنـّـانْ
تـُغـْـري
الشّـاري ، بــالأنـــــــوار ِ
لـَــوْن ُ النـّــــار ِ في الأشجــارْ
تــُشـْـفــي القـــلبَ من أوجـــــــــاع ٍِ
مرحـى يـــا رمزَ التـحْـنـانْ
زيـدوا مــنْ أكـْــلِ ِ
الـرُمـّـانْ
( يمر الوالي ذات يوم في شوارع المدينـة متخفيـًا مع حاجبه .. يسمع جمال صوت بائع الرمان هذا و بلاغة إنشــاده ، يلتفت ُ إلى الحاجب ...)
الوالي : إليّ بهذا الرجل غدًا في ديواني !
الحاجب : أمرُك مولاي !
(في اليوم التـالي )
الحاجب (بلباس العسكر و بلهجـة متعجرفـة) : إجمع رُمّانك أيها البائع و اتـْبـَعني .
البائع : ماذا فعلتُ يا سيدي ؟ أنا رجلٌ على باب اللـه !
الحاجب : نعم وستصبح بعد قليل على باب الوالي أيضـًا ! تـَبـّـًا لك . ربّمـا
ستصبـح واحدًا من المُقـرّبين !
البائع ( هـامسـًا) : ولكن ليست كل الأبواب متشـابهـة و البُعدُ عنكم خيرٌ من القرب
منكم!
(يمشى البائع وراء الحاجب حاملا كيس الرمان على ظهره مفكرًا بالمصير الذي
ينتظره إذ ليس لمنْ هُم على شاكـلتـه إلا العقاب لتهمة ٍ أو شكاية ٍ ، أو مخالفة ٍ
لقانون يترتب عليها دفع مبلغ من المـال ... يشعر البائع بضآلة ظـِلـّه ِ أثناء سيره
و هو يحني ظهره إلى الأمـام ... فيفكـّر بصوتٍ عال ٍ) :
ما أنا إلا فراشة ُ ليل ٍ حقيرة سيهوي بها حظـّـُها العاثر بعد قليل إلى النار لتحترق . ليس لي قيمة هنا و لا أملكُ في هذه الدنيـا إلا كوخـًا و زوجة ًطويلة اللسـان تنتظر ثمن الرمان لتشتري به الخبز و الزيت وبعض لوازم البيت .... أنا حشرة ٌ ضارة سوف يـَفـْتـِـك بها الوالي بعد قليل ... هذه عاداتُ الوُلاة .
(و عند باب القصر يفتـّشُ الحارسُ كيسَ البائع ثم يتناولُ رمانة كبيرة ليأكلها
ورمانـتين أخريين يضع كل منهما في جيبٍ من جيوب سترته العـُلوية ضاربـًا عرض الحائط بحُرمة وظيفتـه... يرمُـقـُه البائع بعين الإزدراء ..)
البائع : لقد تعودتـُم نـَهْـب َ قوت الفقراء و سلـْبهم لمـمتلكـاتهم . أنظـُر إلى جيبـَيْ
سُـتـرتـك المنتـفختين ! إيـّاك أن تمرّ َ من أمام الشـُبـّان فقد يَحْسَبـوكَ ...!
الحارس : لا عليك ! لا تكثر من الكلام ، و إلا وضعتُ رمانتين ثانـيـتيـن في
جَيـْبـَيْ سـِروالي الخلفيـّـتين .
(يدخل بائع الرمان و يقف أمام الوالي واجمـًا و هو يحمل كيسَـه على ظهره )
الوالي : سـأطرحُ عليك بعض الأسئلة .. بماذا تـُكنـّى أيهـا الرجـُل ؟
البائع : كـُنيتي أبي رُمـّانة .
الوالي : كنية جميلة . اطـْلـِقْ هذا الإسم على أحد شوارع مدينتنـا أيها الحاجب !
ولكن لماذا تقول (أبي ) أيها الرجل ؟ الصحيح أن تقول( أبو) رمّانـة !
البائع : كنيتي هي خاصتي يا مولاي كما هو كيس الرُمّـان هذا ، أرفعـُه تارة ً
و أجُرّ ُهُ أخرى .ثم لا يجوز لي أن أرفعَ كـُنيتي احترامـًا لــمقامك ، فأنت
الأجَـلّ ُ و الأرفـع .
الوالي : اخفـِضْ كيس الرُمـان إذنْ و استرح . أكاد أجزمُ أنك بائع ذكي !
أعرفُ أن ّ أبناء شعبي أذكيـاء !
البائع : طـَعْـمـًا و ساعـَة ْ يامولاي .
الوالي : لا أسألـُكُ عن طعم الرُمـّان أيها البائع !
البائع : أقصِد... سمعـًا و طـاعة يامولاي .
الوالي : إدفعْ لي بواحدة أتذوقـُها ... هل لي بواحـدة ؟
البائع : (هامسـًا) حمدًا للـه أنك لم تقل ادفعْ لي بـبعض المال .
( يناولُ البائعُ الوالي رمانة ً وهو يرتجف .. تسقط الرمانة من يده.. يترُكُ
الكيس ويلحق بالرمانة فيـخرج الرمان من الكيس و يتدحرج على أرض
الديوان حتى يصل إلى أقدام الجواري الجالسات في بهو الديوان .
البائع ( مخاطبـًا الجواري ) :الرمّان يهرب خشية الوالي ، فكيف هي إذن حالي ؟
الوالي : لا تخف ، ما أحضَرْناكَ لذنب ٍاقترفتـَه ولا لخبر ٍسيّءٍ سمعناه عنك . البائع (يتمتم) : لا خبر عني سـيءٌ ولا حتى مبتـدأ .
الوالي :أراكَ تخاطبُ الجواري .. ! اجمعْ رمّـانك ثم اختر لي واحدةً حلوة !
البائع : كلهن حلوات فاختر أنت من تروق لك يا مولاي .
الوالي : إلي ّ بأكبر واحدة .
(ينظر البائع إلى كبيرة الجواري ثم يتقدم نحوهـا ...و يسحبها نحو الوالي )
البائع : تفضل يا مولاي !
( يضحك الوالي .. يُصفـّق .. و يضرب الأرض بقـدَمـيه )
الوالي ( وقد حانت فرصة تخلصه من خازنة المطبخ الهَـرِمَـة ) : نأمرُ أن تكون هذه
الجارية زوجة لك . ما رأيـُك ؟
البائع :ولكن يا مولاي أنا رجل فقير و َ...
ليَ امـرأة ٌ أذوقُ الويلَ منها : فكيفَ العيـْشُ في ظـِلّ ِ اثـْنـتـيْن ِ؟
الوالي : وهل تـَرُدَّ للوالي طلـَـبًـا ؟ !!
البائع : معاذ اللـه ! ( هاذيـًا : أين المَفـرّ ! )
الوالي : إذن ، هي زوجُكَ بقبولك و رضاها . خذ بيدهـا و انصـرفْ !
البائع : قبـلتُ يا مولاي ! والآن اسمحوا لي بالمغـادرة ! ( يقبل بائع الرمان يد
الوالي... يترك كيس الرمان ... يمسك بطرف ثوب الجاريـة... يخرجان بعد
أن تم بينهما إيجاب الزواج وقبوله بشهادة الوالي و الحاجب .
يتمعّـنُ بائع الرمان وجـه الجارية فيجدها أكبر سنـّا من زوجتـه ... تدمع
عينـاه و لكنه يحمد اللـه على خروجه من القصر سالمـًا . و عند باب القصـر
يرى الحارسَ يتلذذ بأكل الرمـّان فيقفُ عنده )
البائع : ليتك أخذتَ كيسَ الرُمـّان كلـّه فقد كان الرُمّان سبب ما تراه من مصائب .
لقد تحـولتُ من تاجـر رُمـّان إلى تاجر خـُردة ... قاتلكم اللـه جميـعـًا !
( يغادر البائع القصر و هو لا يدري كيف يسوّي الأمر مع زوجته الأولى ).
++++++++++++++++