المَقـامَة البَصـَلـِـيـّة
د. فـايز ابو الـكا س
لعل هذه المقامة تدخل على نفوس القراء
بعض السرور في ظل الظروف الراهنة.
حدثنا أبو قاعود قائلا :
و ما أن امتلأت ِالأكياسُ بلحم الشواء ، استعدادًا لوجبة الغداء ، بعد نزهة قصيرة
في شمّ الهواء ، حتى اعتلتْ حولنا أصواتُ المُـواء ، لمجموعة من قطط الحارة ، عرفتُ منها شمشون و سلوى و سارة ، و كـَثـُر بين أفراد عائلتي الصياحْ :
لاتنسوا القـدّاحَـة و المفتاحْ !
يـُمـَّـهْ..! أحمد من صندوق البـِكـَمْ طاحْ !
يابا ..! إذا بـِـتـْحِـبـْني ، شغـّل هالشــوّاح ْ!
ركب الجميع بالبـِكـَمْ ، و القدَر على بَخْـتي حَكـَمْ ، أن أ ُُبـْتلى بتسعة أنفارْ ،
مـُخـّي من دوشتـْهم طارْ .( الوسطاني) أوقع الشُبـشُب و أخته طيـّرت ِالإيشارْ !
أما المَـدام .. أحلى السِـتـَّاتْ ، فجلسَتْ بجانبي ، و أخرجتْ ذراعها من الشـُبـّاك
حتى ( اتـْبـَيـّـِنْ ) السلـْتــاتْ ، و طول الطريق خـُذ و هاتْ ، و أشبعتني(تـِمْحينْ)
و ملاحظـات ْ :
يا زلمة امسَـحْ القزازْ كلـّـُهْ طيـنْ !
قنينـة العُطـُر هاي لـَميـنْ ؟؟
جــِبـْـتـِـلـْنـا معـاكْ الشـدّ ِة ْ؟
يا زلمـة اشوَيْ اشوَيْ الطريق و ِعْـر ِة ْ!
وَلْ .. مالـْها الأوادم مِـنسَـعـْر ِة ْ !
و بعد جهد ٍ جهيـدْ ، والأولاد ثلاث منهم (امقربْطينْ ) بالحديدْ ، و البنات خمسة على التندة وصياحهن ( ايـسيد و يـميـد) ، أوقفتُ البكم تحت الأشجارْ ، و بدأ الأولاد( يـِتـْفاعطوا) من الصندوق مثل الشرارْ . أنزلنا المنقل و الفحم ، و فتحنا أكياس اللحم ، و بدأتْ عملية شك الأسياخ .
اشتعلتْ بالمنقل النيرانْ ، و( أقطبْ) في الجو الدخانْ . بدأتُ بوضع الأسياخ فوق الجمْرْ، و عند البنات اشتغل الطبل و الزمْرْ ، إلى حين تتولى المَدام في السلطات الأمْرْ. . كانت عيناي يلفحُهما اللهيبْ ، و وجهي في الدخان الأسود يغيبْ ، و أنا أقلـّبُ مرّة ً اللحمْ ، و أحرّك ثانيـة الفحمْ ، و إذ ْ بـ (شـُوتْ) من كرة القدمْ ، كـادَ يوصلني العدَمْ ، أ ُصـِبْتُ فيه بـ (العنقـُورْ) ، و راح دماغي منه يدورْ ، و زاغتْ مِنـّيَ الأبصارْ ، حتى صرتُ أرى اللحمَ ( بُوشارْ) !
ثم بدأ الفريق يحَـلفُ الأيـْمانْ ، بأن الفاعل هو غسّانْ.. أكلتُ الضربة بكل خضوع ْ،
و عيوني تنزف بالدموع ْ. و بعد أن استعدْتُ صَحْوي ، توجّـهَتْ المَـدامُ نحوي.. .
حسبتـُها تريد مُواساتي ، و من أذى الضربة مُراعاتي ، و لكنها تناولتْ من المنقل
ثلاثة أسياخْ ، ثم صرَختْ : آخْ مِـنـّك بَسْ آخْ !
و ضَعَتْ الشـّـُقـف في الرغيفْ ، و قالتْ عليهن يا لطيفْ !!
كنتُ كلما نضجَتْ (طورة) من أسياخ اللحم أضعها على طبق من القصديرْ،
و أ ُتـْبـِعُـها بالتهليل و التكبيرْ، علـّها تبقى لدقائـقْ ، ولا أجد أمام الغداء عائـِقْ .
غير أني لم أكـَدْ أعطي الطبق ظهري ، حتى يهجم الأولاد عليه بالسِـرّ و الجهر ِ،
و ما هي إلا لحظاتْ ، حتى يكون الأوان قد فاتْ ، و ما بقي في الصحن غير
الرّ ُفاتْ .
و حانت الطورة الأخيرة فقلت هذه المرّة لنفسي ، ولكن يا لحزني و شدة بؤسي !
فقد سقطتْ كرة القدم على المنقـَلْ ، و صرتُ لا أرى اللحم حتى في المَـنـْد َلْ .
رضيتُ أخيرًا ببعض البصَل ْ ، و أقنعتُ نفسي بأنه مفيد كالعسلْ . شربتُ بعض الشاي المغلي على الفحمْ ، و لم أضع في فمي قطعة لحمْ .
و عند الأصيلْ ، تجهزنا للرحيلْ . و ما أن وصلنا البيت و بدأنا للأغراض
التنزيـلْ حتى بدأ حولنا القالُ و القـِيـلْ :
شيخة : اللي أطعمكوا يطعمنا !
مثايل : شو يا جيـرانـّا ! احسُـبُونا اقـْطـاط ْ !
فرَج : ما شاللــَّه يا جارْنا ، وجهك اليوم امفتـّحْ من ذرْب اللحـم !
عـزّ ُوز : اهنيـّالكو ! أبوكو بوخذكو طـَشــّات ْ !
هربَ الجميعُ إلى الداخل ( تاركين الشـقا على من بَـقا ) ، فبدأتُ بتنزيل( الكفيت )
و أنا أدندن بهذه الأغنية:
بـِكـَمْـنـا هسـَّعْ وَصَلْ .. يا ماشاللــّه ْ ،
مِشـْوارْ ريتـُهْ ماحَصـلْ .. هاللـّه ْ هاللـّهْ ،
(كـُونـِـة ْ ) أكـْلـَت ِ اللحْمــاتْ .. من قـِدّامي ،
وَانـِيْ أعْـمَـاني البـَصَلْ .. شَــيّــِـلْ ياللـّــهْ !!
☻☻ ☻☻