الجمعة، 8 مارس 2013

تـَشتكـيـنـي كـَبـِدي الحَرّى

تـَشتكـيـنـي كـَبـِدي الحَرّى





 د. فـايز ابـو الـكا س

عندما بدأ الليل يلفظ ُ أواخر أنـفـَاسـِه قبيل رأس ساعة انتصاف الليل ،
أوقفَ صديقي سيارته عند باب المقبرة المُقـفل . تأمّل القبورَمن وراء
القضبان لثوان ٍ .. كان السكونُ فوقها مُخيّـِـمًا و الظلامُ مُهيمنـًا .. ألقى
نظرة ً كسيرة ً على أحد القبور القريبـة و سمعتـُه يقول

ها هي الأيام تـَمضِي 
عَـاثرات ٍ ..
شائكاتٍ ..مُوجـِعاتْ..!
لم أكنْ فيها المـُهـادِنْ.
لا ..! و أيْمُ اللـه ِ إنيّ..
لن أ ُهادِن ْ !
إنني في دَوْلةِ الأحزان ِ خازنْ.

عندما تعصفُ ذِكـْراكـُمْ بـِليْـلـِي
تحمِلني الريحُ إليكـُمْ
ثم تـُلقيني هناكْ..
أطرُقُ الأبوابَ وجْدًا
فأراني بين أحضان ِ السّـُكونْ
مُثـْخـَنـًا في الطـَّرْق ِ حتى
تعتريني..
بعضُ أحوال ِ الجُنـون ْ

كلما حاولتُ أن أجتازَ جُرْحِي
إذ ْ بخـَطوي في الضفافْ!
يا لـَرُوحي كيف أضـْحـَتْ
في اختلاف
تنشـُدُ الأحزانَ في أرض الغـِنـاء ،
تنسجُ الأكفــانَ من ثــوبِ الزَّفــافْ،
تقبضُ الجَمْرَ بأيد ٍ
ثم ّ تـُعلي صوتـَها 
عبْرَ أنسام الجنائن ،
عبْر أصوات المآذنْ:
لن أ ُهادنْ !
رغم كـَوْني بَعـْدَكـُمْ 
أضغاث ُ كـائنْ.
ها أنا أبكي على من كانَ 
فـي الأجـفـــان ِ ســـــاكـِنْ!
هل تـُراكـُمْ تعشقـُوا مِنـّي الرثاءْ ؟
أمْ يا تـُرى قد راقـَكـُمْ صوتُ البُكـاءْ ؟
هــذه الأبــوابُ لم أطـرُقْ سِــواها..
هـيَ شِـعـري .. هـيَ حـُــزنـي ، 
إنهــا حَـائي .. وَ بـَــائـي
بَلْ و يَـــــــــــــــائـي
عُشّ ُ أطيـار حنينـي
عزْفُ إيقاع ِ بُكـا ئي..

تـَشتكـيـنـي كـَبـدي الحَرّى لصبري
عند هاتيكَ المقابر
إي .. وَ ربـّي!
سوف أبقى ! ها هنا
ألقي بمحموم المشاعر
فافتـحـوا الأبوابَ إنـّي
نحوكم صرت ُ المُسافـر
                                                   *******
سمعتُ منه هذا القول فأشفقتُ                                     
 قلتُ له كفاكَ حُزنـًا يا صاحبي ،                                   
يكاد الحُزنُ يقتلك فـتصبـَّرْ !! فقال:                                      
لامَني الأصحابُ في حُزني فهل                                      
                                        يـتـّقي الغــارقُ في البَّـحر البلـَلْ

ليتـهـُم قد أدركـُوا معنى النـَّــوى
كـمْ عــزيـز ٍهَـــدَّهُ البـُعـْـد ُ فـَـذلْ 
ليتـَهـُم قـد أدركـُوا سـِـرّ ِي بـِأنْ
أنـظـمَ الأشعـارَ في بَحْـر الرَّمـَـلْ
*******
قلتُ له : صَـدَقـْتَ ، و أنا..
كـان لـي مِثـلكَ خِــلّ ٌ مـُؤنـِـــس ٌ
غادَرَ الدنيـا غـَريـــرًا وارتـحَــلْ
تـرَكَ الحُـزنَ جَليسـِـي وانـْـزَوَى
غارسـًا في القلب أصنـافَ العِـللْ
هـَــزمَ الحَــظ ّ ُ كـِلـَيـْـنـا بـِالنـَّـوى 
فـَابـْك ِ إنـّي لستُ بالصَّبر ِالبطـلْ!!