الجمعة، 8 مارس 2013

لحظة الوداع





لحظة الوداع 

د. فـايز ابـو الـكا س



















كتبتُ سابقـًا عن هذه اللحظة  ، و لأنني أحب الكتابة حول هذا الموضوع بنفس
 القدر الذي أكره فيه لحظة الوداع أكرر و أقول ..
أيها المسافرون إلى المجهول لـِمَ نسيتـُم وَداعَنا ؟ و لأننا لن نراكم ثانية ً دَعُوا هذه العيون الدامعة تكتحل ملـيّا برؤياكم فإننا لم نملّ بَعدُ صُحبـَتـَكم .. ها هي العجلات تبدأ بالدوران لتعلن رحيلكم  إلى البعيد  فتتسارع معها دقات قلوبنا و تتساقط معها دموعنا التي نحبسها، لكنها تأبى إلا الإفصاح عن مكنون محبتـنا  .

قفوا قليلا عند حدود الوقت فلا زالت الروح ظمئى لمرآكم . كل دقيقة ننظر بها
إليكم تزيد من أعمارنا و تـُنقص من عمر غيابكم . وجودكم حياتنا و ابتعادكم
شقاؤنا أو موتنا ولا ترضون لنا أن نموت أو نشقى .

كان وجودكم بيننا سعادة و ما أقصر ساعات السعادة ! نحسبـُها ستدوم ،  فرحين
بوجودها غير آبهين للحظة الفراق التي تأتي مهرولة ً كخريف العمـر .   ليتكم
 لا تسافرون ، فإن ساعة الوداع مؤلمة كالنظر إلى شيب الرأس في المرآة !

ستصبح الحياة بعد رحيلكم رتيـبة ً بطيئـة  تدرُج على ما تركتموه لنا من ذكريات
و سنفتقد بعد رحيلكم الفرح و تعاني ليالينا الظلمة والحرمان .. لن توقد في أعيادنا الشموع بعد اليوم و سيعزف الصرصار ألحانه الحزينة في حوض القرنفل !
 ماذا سنقول عنكم للشرفة  الشرقية التي تعانقها  شجرة الصنوبر ؟ سنعلـّق فيها
صوركم كي لا يقتلها الحنين .. سوف يفتقد الصبح رائحة قهوتكم والمساء
 صوتَ هديلكم .. ستلفّ الكآبة بعدكم  أشعارنا و سيصبح نور القمر  باهتـًا !

أيها المسافرون إلى البعيد ! لن يكون للياسمين بعدكم عطره المعهود و لن
 يكون لنيسـان دفئه المنشود و ستغادر العصافير أيكتنا و الفراشات حديقتنا
 وسوف يخيم الصمت على المقاعد و ستسْكنُ حِـبال الأرجوحة و تذبل وُرود المزهرية .

دعونا نلقي عليكم نظرة الوداع الأخيرة قبل دخولكم السيارة .. ففي تلك  النظرة تلخيصٌ لتاريخ جميل مرَّ كسحابة صيف و هاهو يتساقط ُ مع دموع العيون
 الزائغة.  ستلوّح  لكم الأيدي و اللسان يتلعثم : وداعـًا !
إن لم تستطيعوا توديعنا فنحن الآن نودّعكم !!

                             ****************