لحظة الوداع
د. فـايز ابـو الـكا س
كتبتُ سابقـًا عن هذه اللحظة ، و لأنني أحب الكتابة حول هذا الموضوع بنفس
القدر الذي أكره فيه لحظة الوداع أكرر و أقول ..
أيها المسافرون إلى المجهول لـِمَ نسيتـُم وَداعَنا ؟ و لأننا لن نراكم ثانية ً دَعُوا هذه العيون الدامعة تكتحل ملـيّا برؤياكم فإننا لم نملّ بَعدُ صُحبـَتـَكم .. ها هي العجلات تبدأ بالدوران لتعلن رحيلكم إلى البعيد فتتسارع معها دقات قلوبنا و تتساقط معها دموعنا التي نحبسها، لكنها تأبى إلا الإفصاح عن مكنون محبتـنا .
قفوا قليلا عند حدود الوقت فلا زالت الروح ظمئى لمرآكم . كل دقيقة ننظر بها
إليكم تزيد من أعمارنا و تـُنقص من عمر غيابكم . وجودكم حياتنا و ابتعادكم
شقاؤنا أو موتنا ولا ترضون لنا أن نموت أو نشقى .
كان وجودكم بيننا سعادة و ما أقصر ساعات السعادة ! نحسبـُها ستدوم ، فرحين
بوجودها غير آبهين للحظة الفراق التي تأتي مهرولة ً كخريف العمـر . ليتكم
لا تسافرون ، فإن ساعة الوداع مؤلمة كالنظر إلى شيب الرأس في المرآة !
ستصبح الحياة بعد رحيلكم رتيـبة ً بطيئـة تدرُج على ما تركتموه لنا من ذكريات
و سنفتقد بعد رحيلكم الفرح و تعاني ليالينا الظلمة والحرمان .. لن توقد في أعيادنا الشموع بعد اليوم و سيعزف الصرصار ألحانه الحزينة في حوض القرنفل !
ماذا سنقول عنكم للشرفة الشرقية التي تعانقها شجرة الصنوبر ؟ سنعلـّق فيها
صوركم كي لا يقتلها الحنين .. سوف يفتقد الصبح رائحة قهوتكم والمساء
صوتَ هديلكم .. ستلفّ الكآبة بعدكم أشعارنا و سيصبح نور القمر باهتـًا !
أيها المسافرون إلى البعيد ! لن يكون للياسمين بعدكم عطره المعهود و لن
يكون لنيسـان دفئه المنشود و ستغادر العصافير أيكتنا و الفراشات حديقتنا
وسوف يخيم الصمت على المقاعد و ستسْكنُ حِـبال الأرجوحة و تذبل وُرود المزهرية .
دعونا نلقي عليكم نظرة الوداع الأخيرة قبل دخولكم السيارة .. ففي تلك النظرة تلخيصٌ لتاريخ جميل مرَّ كسحابة صيف و هاهو يتساقط ُ مع دموع العيون
الزائغة. ستلوّح لكم الأيدي و اللسان يتلعثم : وداعـًا !
إن لم تستطيعوا توديعنا فنحن الآن نودّعكم !!
****************