الجمعة، 8 مارس 2013

سلمى الغجرية



سلمى الغجرية

 

الدنيا ليل يزينه  ضوء القمر ، وصوت كوكب الشرق ينساب من مذياع جيب صغير : " سهران لوحدي". وأنا أجلس في شرفة مطلة على الحديقة وأمامي فنجان القهوة وبيدي الغليون ، يتصاعد منه الدخان الذي يرسم أشكالاً ويكتب كلمات ،  لا تلبث أن تزول كزوال الأحبة . كنت أ را قب سحب الدخان التي أنفثها وهي تصوّر مرةً شجرة لبلاب متسّلقة ومرة أخرى قطة سيامية تنعسُ قرب المدفأة...  يالخيال الإنسان كيف يصور له الأشياء كما يشاء.
أ ُحبّ السفر والسهر . فلقد تجولتُ في بلاد الله كثيراً ، ولتقدّمي في السن أصبح السفر عليَّ صعباً لذا فأنا أسافر دوما  مع سحب نفثات الغليون، في قطار ٍ خياليّ  يتلوى في السهول مطلقاً صوت النفير الحزين ،  باعثاً دخانه كغليوني ليرسم أشكالاً فوق التلال ، وأنا أجلس أمام إحدى نوافذه متأملاً الأفق البعيد... ما أصعب السفر والابتعاد عمّن نحب.
صحوتُ من سفري فوجدت القمر بدراً  ، يطل على الشرفة كوجه عروس تبتسم وهي تختال في ثوبها الملائكي الأبيض . يلقي القمر بنوره على الأرض حولي ،  فيغطيها بغلالة بيضاء شفافة تنمّ عما تحتها. قلت في نفسي: أنا أكثر حظاً من أم كلثوم فأنا أسهر ورفيقي القمر. ليتك يا قمر تبقى سميري دائماً فلا تغيب ولا تهرم وتتركني بعدك أُعاني من ظلام الشرفة.
و فجأة لاح في أفق خيالي طيف سلمى الغجرية فقلت :إن سلمى و جماعتهاأيضا يحبون السهر  والسفر. ما أجمل حياتك يا سلمى!  سهرٌ وغناءٌ  و وتر ،  وسفر إلى غير مستقر. أما أنا فأسافر بخيالي وأسهر راثياً لحالي. تتخذين من أبي عمر عشيقاً وأتخذ من (القمر) رفيقاً ومن فنجاني صديقاً .
     تتبعتُ سلمى في مخيلتي عندما نهضَتْ في الصباح ، وشدّت على ظهرها الشَّقَبان٭ ،  وودعت طفلها بقبلة الولهان ، ثم أوصت أبا عمر أن يشعل الحطب ، ويضع قطع الحديد على اللهب ،  ليصنع منها خمس سكاكين ،  أوصاها بها بعض الفلاحين ...ا بتعدت سلمى عن الخيام ،  قاصدةً ربّ الأنام  ، فهي كالمُهرة السائبة ، لا تعرف أين هي ذاهبة ... تعبَت رجلاها بعد طول المسير ،  فحطت رحالها قبيل حر الهجير ،  في قرية صغيرة . مشَت أمام الدكاكين وتحسّست في جيبها السكين  ، لأنها تعرف أنّ  أهل المدن والقرى لا أمان لهم لبعضهم ،  فكيف للغرباء والمساكين.
مرت سلمى أمام دكان الحلاق ولما رآها خرجَ جافلاً ،  ولمقصه حاملاً ، ترك زبونـَه وفرك عيونـَه  ثم بادرها قائلاً : بتخُطّي بالودَع يا بنت ؟...   إلى اللقاء في بقية قصة سلمى.    *الشقبان : ثوب المرأة يلف على ظهرها كالخرج