شـَكوى
د. فايز ابو الكا س
رأيتـُه جالسا على مقعد خشبي منعزل في إحدى الحدائق العامة . اقتربتُ منه
..عرفتـُه .. حيـّيتـُه .. استأذنته بالجلوس .. جلستُ بجانبه .. سألتُ عن أحواله ..
فقال :
أبدأ ُ الشَّكـْـوَى وَ و ِجْــداني يَعـِي
يـا هـَواني وانكِـسـاري المـُشْـرَع ِ
أنـَّـتي يا ليتـَها تـرْقـَى لـَـهَــــــا
أ َنــَّة ُ الخنسـاءِ في يَوم ِالنـَّعـِي
ليتَ ماضي العُمر يأتي بُرْهـَــــة ً
كي يُـداوي ما اختفـَى في أضْلـُعي
مِنْ جُروح ٍ تشتكي طـُولَ النـَّـوَى
و حَمِـيــــم ٍ مَـالـح ٍ في أدمُعـــي
ليت شِـعري كيفَ صارتْ فـَرْحتي
شَوكـَة ًفي الجَـنـْب ِ قـَضـَّتْ مَضْجَعي
يا زمَـــانـًا سَـــرَّنا كـُنـَّـا بـِه ِ
مثل طـَيرَيْن بـِرَوض ٍ مـُمـْر ِع ِ
يترامى صوتـُنا عـَبْـر المَدى
و نـُغـَنـّي للفضـاءِ الأوْسَــع ِ
أغنيـات ِ الوُرْق ِ في أغصـانها
يا لـَصوْت ٍ مـُطرب ٍ إنْ تسْجـَع ِ
نجْمَعُ الزهْرات ِفي شال ِالهَوى
ثم نـُلقيــها بنـهـْر ٍ مُسْــرِع ِ
يا حبيبـًا كان لي صرحَ الندى
ونـُجَيْـمـًا في السَّــديم الأرفـَع ِ
أدعجَ العين سِـراجًـا في الدُجى
مثل بدر الليل ِ حينَ المَطلـَع ِ
أستقي ذكراهُ من سِرْب ِ الظِـبـا
في ظِـلال ٍ وارفات ِ المَـرْتـَع ِ
أرقـُبُ الغِـزلانَ هيفاءَ الحَشَـا
كي أرى فيـهـا بَهيَّ المَطلـَـع ِ
إنـَّهُ الريمُ بـِوادي ذي القـُرى
ينقلُ الخَطـْوَ جَـفـُولَ الأذرُع ِ
فأ ُنادي للظـّـِـبا لا تـَرحَـلي
هاهُنا الماءُ و طـِيبُ المَهْجَـع ِ
كلـّما هبّتْ رياحٌ في الغـَضَـى
تـَنفـُخُ النارَ بقلبي المُوجـَــع ِ
نائباتُ الدهر ِألقتْ رُمْحَهــا
فأصابتني و نالتْ مَصْرَعي
يا حنينـًا لم يزَلْ يـُشعِــلُ بي
نارَ وجـْد ٍ مثل حَـدّ ِ المِبضـَع ِِ
رُبَّ جُرح ٍ في الهَوى فاقَ أذى
جُرح ِ سيف ٍفي الوغى إنْ يَلـْمَع ِ
إنني داع ٍ إلى ربّ ِ السّـَـمَـا
راجـِيًا غـُفرانـَه في المَرْجـِع ِ
استأذنتـُه لأحضر كأسين من القهوة شربناهما معا ثم ودّعتـُه و انصرفت .