أولاد ٌ يـُناجُون أ ُمـّهـم عنـد
قبرهـا
د.فـايز
أبو الـكا س
لقـد طـال أمَدُ نومِكِ هَا هُنا ، فانهضي ! إنـَّا مَلـلـْنـا الإنتظـار،
و سئمنا الوقوفَ بين النصـائب و الأحجـار ! نـُعزّي أنفسنا
بالمشاوير بين البيت و المقبرة
لعلنا نحدّثك فتسْـتجـيـبـين ، أو
نناديكِ فتسمعين . لم نزَلْ ، ودون جدوى ، نذرفُ الدمـوع ، و لم
نزَلْ ننتظرُ ساعة َ الرجـوع ! لقد صحَتِ الطيورُ من رُقـادها
و الفراشاتُ من سُبـاتها ، و ها هي
الشمسُ تطـرُدُ ظلامَ الليل ،
و لكنـّك تـُفضـّلين الأ ُفـُولَ و تستعذبين الغيـاب !
إنَّ لكِ فوق الثرى أحبابـًا ينتظرون ساعة شُروقك و لا تـُشرقين !
لـِمَ يا أ َعـَزَّ الأحـِبـَّة ِ و أحلامَ السّـِـنين ! لمْ نرتكبْ بحقـّك ذنبـًا ،
و لم نكـُنْ يومـًا بالعـاقــّين . فهل نستحقّ ُ هَجْـرَك الطويل !
أتدرين أنـَّا لا نصـدّق الذي جَرَى ؟ لمْ تكوني قاسية ًعلينا فيما
مضى ، ولا ضنيـنـَة ً في التسـامُح ِ و الرّ ِضى .
لا زالتْ قهْوتـُكِ تنتظركِ كلَّ يوم ! تبرُدُ .. و نـُعيدُ تسخينها .. ثم
تبرُد .. ثم نعيدُ تسخينها ..ولمّـا تـأت ِ بَعد ! لمْ نغسـلْ ملابسَك
لأننا
نعشقُ فيها عِطرَك ! لمْ نـُغيـّرْ
ترتيبَ غرفتـكِ ، فقد لا يعجبـُك
الترتيب عند عَوْدتك . لا زالتْ صُورتكِ على الجدار.. نكلـّـِمُها
فنستأنسُ بوجودك بينـنا و نـأمَـلُ
أن عودتـَـك قريبـة .
و تمرّ الأيـّام .. ! و تزداد فينا الهواجسُ و الآلام ! نناشدكُ اللـه أن
تعودي . فالبيتُ تصفـُر فيه الريح ، و الحُزنُ في أركانه يستريح .
كلّ ُ غائب ٍ إلى أرضه عاد و لم تعودي.. جاء نيسـان بأزهاره
و لم نـَجـِدْكِ بينها ! قلنا لعلـّكِ تعودين مع ياسمين تشرين ! و مضى
تشرين !! و خابت بَعدَه آمالـُنا .. ثم جاء كانونُ وحيـدًا باكـِيًـا بليْلـِهِ
البارد الطويل ، فكدنا نشكّ ُ أنّ رُجوعَك
مستحيل !
و مرَّتْ ثلاث سنوات .. ننتظر في الصباح و المسـاء ، و نعيش بين
الخوف و الرجـاء ! و نحنُ دائما نقول : رُبّما الغيـابُ سيطول ،
أو رُبّما سَـنـَراكِ مع هـلال ِ أيلول ..!
هل ستـتـأخـَّرين ؟؟ نفرُش لك ِ فـِراشك ِ كلَّ ليلة ، و نطبخُ الطعام
الذي كنتِ تحبـّين ! كيف لا ترجعين ، و لم يزل جرس هاتفك
من الجـاراتِ يرنّ ، و وَرْدُ
الحديقة إليك يَحـِنّ ؟ أ ُمـَّـاهُ ، نرجوكِ
ألا تطيلي الغيـاب ، فنحن لا نقـْوَى
على ترديـد ِ العـِتـاب !
لن نـُغادرَ هذا المكـان دون أن تـَعودي معنـا في موكب الإياب ،
كما غـَدوْنـا سويـّـًا في موكب الذ َّهاب !
انهضـي فسـاحاتُ البيت دونكِ خالية ، و مكـانـُك ِ فـارغ ٌ في ظـِلال
الداليـة !
قـُومِي ، يـاأ ُمـَّنا الحبيبـة ! الشوقُ إليكِ يقتـُلـُنا ، و البـُعدُ
عنكِ
يـُذهـِلـُنا ، و إنـَّا دُونـَكِ لتائهون !